[الهدية إلى الكافر وقبولها منه]
الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسل الرسل بالكتب، وجاء حاطب إلى المقوقس بالإسكندرية رحب به وحصل معه محادثة لطيفة، من ضمن ما كلمه، قال: ألست تقول أن محمداً رسول الله وهو في عنايته وكذا وكذا؟ قال: بلى، قال: كيف يكون حبيب الله ورسول الله ويتركه لأهل مكة يخرجونه هارباً ليلاً؟ يعني: لماذا لم يحمه ولم يدافع عنه؟ قال له: أيها الملك! ألست تؤمن بالنصرانية؟ قال: بلى، قال: ألست تقول بأن عيسى ابن الله؟ قال: بلى، قال: كيف أن أباه تركه لليهود يصلبونه ولم يدافع عنه؟ فقال: حكيم جاء من عند حكيم، وهذه الأجوبة المسكتة، والعامة يقولون: إذا أرسلت فأرسل حكيماً.
فـ المقوقس أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين وحللٍ للبس، وخفاف، وشيئاً من الطيب، وبغلة، وقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا تجد الفقهاء يعتنون بمسألة: الإهداء إلى ومن الكافر: أتهدي إلى الكافر؟ نعم، أتقبل هدية الكافر؟ نعم.
وقد جاء في الإهداء إلى الكافر: عمر رضي الله عنه لما رأى حلة تباع وأعجبته وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: اشترها لتلبسها للوفود، فنظر فيها وردها ثم قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له) يعني: قماشها فيه شيء من الحرير، ثم بعد فترة أرسل رسول الله إلى عمر حلة من نفس ذلك القماش، فجاء عمر يجري، فيقول: قلت يا رسول الله: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له) وترسل لي بها! معناه: أنا لا خلاق لي، قال: لا يا عمر، أنت أخطأت في المقدمات، ليس معنى إرسالي إياها إليك لتلبسها، ولكن لتتملكها، وألبسها من شئت، فأرسل بها إلى أخيه بمكة وهو على دين قومه.
وهكذا في بعض سفراته صلى الله عليه وسلم، نزل منزلاً وجاء أعرابي يسوق غنماً، فقال له صلى الله عليه وسلم: هدية أم بيعاً؟ قال: لا.
بل بيع، فاشترى منه شاة، وسأل أصحابه من عنده طعام، وكذا وكذا، وصنعوا طعاماً وأكلوا جميعاً وبقي الباقي في القصعة.
يهمنا قبول الهدية من المشرك والإهداء إليه ما لم يكن حربياً؛ لعموم قوله سبحانه: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:٨] وخاصة إذا كان ذا رحم فلا مانع.
فالهدية من قديم موجودة متداولة بين الملوك وبين الأشخاص العاديين، وهنا يبين لنا صلى الله عليه وسلم مهمة الهدية بين الناس، وإذا تأملنا جميع التشريعات في الإسلام كالعبادات والتبرعات نجد أن لكل عمل مهمة، مثل الفيتمينات، كل فيتمين له غرض خاص , كذلك هنا الصلاة تنهى عن الفحشاء، والزكاة تطهر وتزكي العبد والمال، والصيام يزيد من التقوى، والحج فيه منافع لهم، وكل هذه العبادات فيها منافع للأمة، وكذلك الهدية.
وعلمنا بأن قانون الحياة معاوضة، والهدية عوضها إما أن ينتظر مصانعةً، والرسول بين لنا فقال: (تهادوا تحابوا) فالهدية تورث المحبة؛ وجبلت النفوس على حب من يحسن إليها، والهدية من الإحسان، وهذا جزء من حديث: (والله لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) ثم بين صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .
والهدية -كما يقولون- تكون بمناسبة وبغير مناسبة، والعامة يقولون: الهدية على قدر مهديها، غترة تلبسها، زميلك في الدراسة سافر في العطلة، وعندما أتى أهدى لك غترة، أو مدير الجامعة سر بنشاطك، وأعجب باستقامتك ومثاليتك في الطلاب، فقدم إليك غترة، فهل غترة زميلك التي جاء بها كغترة مدير الجامعة؟ هي هي! نفس القيمة والمقاس! لكن هذه حق مدير الجامعة! هذه والله أنا ما اشتريتها، بل أهداها لي مدير الجامعة!! إذاً: على قدر مهديها؛ لأنه عندما تذكرك في غيبتك وفكر في أن يهدي إليك.
إذاً: أنت حاضر في خاطره، ما غبت عنه، ذكرك بالخير في الغيبة.
إذاً: هذا يورث المحبة (تهادوا تحابو) .