[شرح حديث: (أمر ثمامة أن يغتسل عندما أسلم)]
قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (في قصة ثمامة بن أثال عندما أسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم: أن يغتسل) رواه عبد الرزاق، وأصله متفق عليه.
] تجاوز المؤلف تلك الأربعة وجاء بقضية أخرى ليلحقها بالأربعة، ثم يأتي إلى التفصيل.
يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ثمامة بن أثال أمره أن يغتسل) .
ثمامة سيد بني حنيفة، وكان في طريقه إلى مكة معتمراً، فأخذته خيل المسلمين وجاءوا به أسيراً، فربط في سارية المسجد، وكان يؤتى بحلب سبع شياه فيشربها، وكان صلى الله عليه وسلم يمر عليه ويقول: (كيف بك يا ثمامة؟) فيقول: يا محمد! إن تمنن تمنن على كريم، وإن ترد فداءً أعطيتك ما يرضيك، وإن تقتل تقتل ذا دم، يعني: دمي لا يصير هدراً، فأهلي سيطالبون به، فما زال على ذلك ثلاثة أيام، والرسول يسأله ويجيب بهذه الإجابة، وفي اليوم الثالث قال: (اتركوا ثمامة) فأطلقوه، فلما أطلقوه أتى إلى الصحابة وقال: ماذا يفعل من أراد أن يدخل دينكم؟ قالوا: يغتسل، فذهب فاغتسل، فجاء فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: لِمَ لَمْ تفعل ذلك من أول يوم؟ قال: لا، خشيت أن تقولوا: أسلم خشية السيف، فلما أطلق سراحي جئت بحريتي.
إذاً: الرواية هنا في قصة ثمامة أنه سأل وأخبره الصحابة فذهب إلى بيرحاء، وكانت عند مقدمة المسجد في الجهة الشمالية، -وكانت موجودةً إلى وقت قريب قبل هذه التوسعة الأخيرة- فاغتسل هناك وجاء إلى صلاة الظهر وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم.
هنا يقول (إن الرسول أمره أن يغتسل) ، وهل كل من أسلم جديداً نأمره بالاغتسال أم لا؟ نعم على قول الجمهور ما عدا أبا حنيفة رحمه الله فإنه يقول: لا غسل عليه؛ لأن الإسلام يجب ما قبله.
وبعضهم يقول: إن كان قد وقعت عليه جنابة ولم يغتسل أمرناه بالغسل.
وبعضهم يقول: يغتسل، أجنب أو لم يجنب.
والجمهور على أن غسل من أراد الإسلام ليس بفرض؛ لأنهم في غزاتهم وفي إسلامهم وفي دخول الناس في الدين أفواجاً ما ثبت أن الرسول أمر إنساناً أسلم أن يغتسل، كما يفعل بعض المتأخرين؛ يلزم من يريد الإسلام أن يختتن، فلربما ترك الإسلام من أجل ذلك.
الذي يهمنا في هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يغتسل، وهل هذا الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ قالوا: ليس للوجوب؛ لأننا وجدنا صوراً عديدة ممن دخل في الإسلام ولم يأمرهم قادة الجيوش وأمراؤهم أن يغتسلوا، وجاءت الوفود وأسلموا في المدينة -وفد ثقيف، ووفد تميم- وما أمروا أن يغتسلوا قبل أن يسلموا.
إذاً: الأولى أن يغتسل، ولكن ليس بشرط في صحة إسلامه، فيصح الإسلام ويقبل منه ولو لم يغتسل.
ثم كان من شأن ثمامة أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني كنت معتمراً فأخذتني خيلك وأنا في طريقي إلى العمرة، قال: امض فاعتمر - أو: أتمم عمرتك) ولما جاء مكة وعلم أهل مكة أنه أسلم آذوه هناك، فتوعدهم ورجع إلى بلاده ومنع الميرة -الطعام- أن تأتي إلى مكة، وكان وادي حنيفة يمول مكة بالحنطة، فجاء أهل مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه: أن يأمر ثمامة أن يسمح للميرة أن تأتي إلى مكة، فإن فيها الخالات والعمات، وذوي الأرحام وقد منعها، فكتب إليه بذلك ففعل.
إذاً: الموضوع هنا زائد عن الأربعة، وهو أمر من أراد أن يدخل في الإسلام أن يغتسل، وهذا بصرف النظر عن الوجوب أو عن الندب، فيغتسل من أربع، وهذه زيادة على الأربع، فصار إلى الآن خمس اغتسالات، والله تعالى أعلم.