شرح حديث: (غسل يوم الجمعة واجب ... )
قال رحمه الله: [وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) أخرجه السبعة.
] نعلم جميعاً أن يوم الجمعة من خصائص هذه الأمة، وقد جاء أن اليهود ما حسدوا المسلمين على شيء كما حسدوهم على يوم الجمعة، وقول: آمين.
ويوم الجمعة اختصت به هذه الأمة وضيعته اليهود والنصارى، فاليهود أخذوا يوم السبت، والنصارى أخذوا يوم الأحد، وهدى الله هذه الأمة ليوم الجمعة.
ويوم الجمعة كان يسمى في الجاهلية بيوم العروبة، وقد صلى بعض الصحابة يوم الجمعة قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً من مكة إلى المدينة؛ وسبب ذلك أن اليهود كانوا يجتمعون يوم السبت لعبادتهم ولأذكارهم، فيخصون ذلك اليوم بالعبادة وينقطعون عن العمل، فرأى بعض الأنصار الأولين أن يتخذوا يوماً يجتمعون فيه، ويذكرون الله كما يفعل اليهود، فدعاهم شخص فذبح لهم شاة وصنع لهم طعاماً، وصلوا الجمعة - أي: ركعتين- في المدينة قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم.
وأحكام هذا اليوم كثيرة جداً، وسبق أن نبهت عليها، ومن أراد استقصاء أحكام يوم الجمعة فإنه يطول عليه، والكلام عن يوم الجمعة أشبه ما يكون بالكلام عن الحج، وأشرنا إلى أكثرها في تتمة أضواء البيان عند قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:٩] مع قوله: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:١٠] .
ومن أحكامها التي تعرض لها المؤلف هنا: الغسل ليوم الجمعة، فعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) .
مما نلاحظه في هذا الحديث مدى عناية الإسلام بالمظهر والنظافة، وخاصة في أيام الأعياد والمجتمعات، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماذا على أحدكم إذا اتخذ ثوباً لجمعته سوى ثوب مهنته؟) وهذا تنظيم عجيب! أعمال المهنة سواء كانت زراعة للمزارع، أو نجارة للنجار، أو حدادة للحداد، أو أو، كل إنسان له مهنة يحتاج إلى لباس يناسبها يتحمل ما يجري عليه أثناء العمل، فإن أتى الجمعة فمن باب حسن المظهر، ومن باب حسن السمت أن يلبس من أحسن ما يملك، وقد ذكر البخاري في الأدب المفرد: (حسن السمت من الإيمان) ، ومشهور عن كثير من العلماء أنهم يعنون بسمتهم، وكما جاء عن ابن عمر في التجمل للزوجات قوله: إنهن يردن منا ما نريد منهن.
وجاء عن مالك رحمه الله أنه ما كان يجلس للحديث إلا بعد أن يغتسل ليكون في أحسن هيئة، وذكرنا في قصته مع هارون الرشيد، حينما أتاه هارون الرشيد فلم يفتح له حالاً ولكن ذهب واغتسل، وأبدل ثيابه وتطيب ثم أذن له، فقال له هارون الرشيد ما شأنك؟! طلبناك فامتنعت علينا، وجئناك فحبستنا على بابك، فقال له: علمت أنك لم تأت لدنيا ولكن للحديث، فكرهت أن أجلس للحديث وأنا على غير هيئة مكتملة.
والله تعالى يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٣١] .
وعمر رضي الله تعالى عنه رأى حلة تباع عند باب المسجد، فأخذها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اشتر هذه، لتلبسها في الأعياد، وتتجمل بها عند الوفود.
وجاء في بعض الآثار: إذا اجتمعتم فتجملوا.
إذاً: عناية الإسلام بالمظهر أو بالهيئة أو بحسن السمت عناية فطرية وطبيعية، وتدل على الذوق والرقي في الإسلام.