في هذا الحديث يقول الراوي فيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، ولكن متى يضع؟ نجد الجمهور يتفقون على أن هذا الوضع على الصدر بعد تكبيرة الإحرام حين القراءة قائماً، ثم جد أمر جديد، وهو بعد الرفع من الركوع هل يضع اليمنى على اليسرى على صدره أو يرسل يديه؟ هذه مسألة جديدة، وسبق أن طلبت من الإخوة طلبة العلم أن ينقبوا في بطون الكتب الفروع والأصول، والحديث، والتفسير، وأصول الفقه، والفقه؛ ليوجدوا لنا نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحاً ولا أقول صحيحاً؛ فلو وجدوا ضعيفاً لقبل؛ فلم يجدوا نصاً صريحاً بأنه صلى الله عليه وسلم كان يضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع.
إذاً: توجد مواضع في الصلاة لا توضع اليمنى على اليسرى فيها، وإنما توضع اليدان في مواضع منصوص عليها: أما في الركوع فيلقم يديه ركبتيه، أما في السجود فيضع يديه على الأرض، أما في جلسة التشهد فيديه على فخذيه.
إذاً: بقي عندنا الموضع الذي يمكن أن توضع اليمنى على اليسرى فيه في الصلاة: إما قائماً للقراءة، وإما بعد الرفع من الركوع؛ فهل كان يضعهما في الموقفين أم في موقف واحد؟ نختصر الطريق، وأمامنا أئمة أجلاء أوسع مجالاً، وأتقى لله، وأصفى أذهاناً، وأطهر قلوباً، وأوعى للعلم، وهم أئمة المذاهب الأربعة، فأولاً مالك: المالكية يقولون: حتى عند القيام للقراءة يسدل يديه، فإذا كانوا يقولون بالسدل عند موضع الاتفاق فهل يقبضون بعد الرفع؟ هذا مسقوط من الحساب.
نأتي إلى الأحناف والشافعية -وبدون تفصيل في المذاهب- يقولون: إن وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع بدعة، ولا أصل له، وبعضهم لم يذكره ولم يتعرض له.
وأما عند الحنابلة فقد نص صاحب المغني وصاحب الإنصاف على الروايات المختلفة عن أحمد، فتوجد عن أحمد رواية بوضع اليمنى على اليسرى على الصدر بعد الرفع من الركوع، وإن شاء ترك، وأما صاحب الإنصاف فرجح الترك، ووافق الجمهور في عدم القبض بعد الرفع من الركوع.
أرجع إلى التنبيه الأول وهو: أن وضع اليدين في القيام للقراءة، أو وضع اليدين بعد الرفع من الركوع، أو سدل اليدين في الموضعين، لا علاقة له بصحة الصلاة وبطلانها.
وثم نقطة أخرى: من اختار لنفسه وضع اليدين على الصدر بعد الرفع لا يحق له شرعاً أن يعيب من لم يفعل ذلك، أو أن يراه متعصباً جاهلاً، ولا ينبغي أيضاً لمن لم يفعل ذلك أن ينظر لمن يفعل ذلك بأنه مبتدع، أو بأنه متعصب، والمسألة خلافية، والخلاف فيها ضعيف جداً، وليس فيها سوى رواية عن أحمد مرجوحة، لكن قولهم موجود، ولو نظر إنسان في القواعد وفي الأدلة وفي الأقوال واختار لنفسه، فلا ينبغي أن نعيب عليه، لماذا؟ لأن له سلفاً، ولو أنه مرجوح، ولأن الأمر لا يتعلق بصحة ولا بفساد.
والذي يهمنا كطلبة علم وكمسلمين في أي عمل من أعمال الصلاة: ألا نتخذ الجزئيات مثار خلاف ونزاع وتفرق بيننا، هذا في الصف يقبض يديه بعد الركوع، وإذا سلم نظر لصاحبه كأنه أخطأ! وهذا يسدل يديه بعد الركوع، وبجانبه أخ له يقبض؛ فإذا خرج من الصلاة لا يسلم عليه! كل اختار لنفسه قولاً بعد أن سمع، أو قرأ، أو وقف على ما يسر الله إليه، ولعل في هذا القدر كفاية فيما يتعلق بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.