[حكم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الجبلية]
والمشهور أن ابن عمر قد انفرد بهذا عن مجموع الصحابة، فإنه كان يتتبع خطوات رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج شبراً بشبر، حتى في الأمور الجبلية التي كان يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين عرفات والمزدلفة في الشعب فبال، فكان ابن عمر إذا جاء إلى ذلك المكان ينزل ويبول، فقالوا له: يا ابن عمر! هذه ليست عبادة؛ لأن الرسول ما فعل هذا ليتأسى الناس به، فإذا كان إنسان ليس به بول وليس هناك حاجة داعية لأن يأتي ويبول بالقوة! فقال: الرسول فعل هذا، أي: أنا أتبعه، فنقول: هذا شدة رغبة في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كما يقول الأصوليون: أعماله صلى الله عليه وسلم الجبلية ليست موضع تشريع، كما قال الناظم: وفعله المركوز في الجبلة كالأكل والشرب فليس ملة الأكل والشرب جبلة في الإنسان وفي كل كائن حي، فالنصراني يأكل، والدرزي يأكل، والحيوان يأكل؛ لأن مطلب الحياة أن يأكل وإلا فسيموت.
إذاً: الأكل والشرب جبلة، من غير لمح الوصف، فلا تقل: أنا آكل لأن الرسول كان يأكل، نقول: لا، أنت ستأكل غصباً عنك اتباعاً للرسول أو لغيره، وأما الوصف في كيفية الأكل، وهل يكون باليمين أو بالشمال؟ فنقول: الوصف هنا هو المراعى، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل بيمينه ويأمر بذلك بقوله للغلام:(يا غلام! سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) إذاً: الوصف في الأمر الجبلي هو المطلوب، أما في الأمور من حيث هي فلا تقل: أنا أنام لأن الرسول نام، وأتزوج لأن الرسول تزوج، فنقول: لا، أنت في حاجة إلى النوم والزواج من غير هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينام وكان يأكل ويتزوج، وقد تزوج حتى قبل الرسالة.
والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.