[اختلاف العلماء في حكم صلاة الجماعة]
هذا الحديث -حديث أبي هريرة - اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال بوجوب الجماعة، ومنهم من قال بعدم وجوبها.
ثم اختلف القائلون بوجوبها، فمنهم من قال: هي شرط في صحة الصلاة، بحيث لو صلى منفرداً بطلت صلاته ومنهم من قال: هي واجبة، ولكن ليست شرطاً في الصحة، بل هي واجبة بذاتها.
بمعنى أنه: لو صلى منفرداً يكون قد ترك واجباً آخر وهو الجماعة، فتكون الصلاة صحيحة مسقطة للفرض، وهو آثم بترك واجب.
فمن العلماء من يقول: هي واجبة وجوباً عينياً ومنهم من يقول: هي واجبة وجوباً كفائياً ومنهم من يقول: ليست بواجبة، ولكنها سنة.
والذين قالوا: هي واجبة وجوباً عينياً انقسموا إلى قسمين: قسم قال: واجبة وجوباً عينياً وهي شرط في الصحة، فلو صلى بغير الجماعة بدون عذر، فصلاته باطلة؛ لفقدانها شرطاً من شروط الصلاة.
والقسم الثاني يقولون: هي واجبة بذاتها، فإن صلاها منفرداً صحت، ولكنه ترك واجباً فهو آثم بتركه.
والجمهور على أنها سنة.
والحديث لـ أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يقول فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لقد هممت) .
وغير المؤلف يذكر مقدمة للحديث، منهم صاحب عمدة الأحكام في المتفق عليه بين الشيخين، وتلك المقدمة التي تركها المؤلف ينبني عليها معرفة الحكم، أو لها دخل في تحقيق المسألة، وذلك أن أول الحديث فيه: قال صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فينادى لها، ثم آمر برجل يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم) ، أو (إلى رجال لا يشهدون الصلاة) ، أو (إلى رجال يتخلفون عن الجماعة بلا عذر) ، وبعض الروايات: (لولا ما في البيوت من النساء والصبيان) .
فيقول بعض العلماء: أصل السياق في المنافقين (أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) .
ويقول ابن دقيق العيد رحمه الله: خصت العشاء والفجر لأحد أمرين: إما لأنهما في الظلام والمنافق إنما يرائي الناس في الصلاة، كما قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:١٤٢] ، فالعشاء والصبح تكونان في ظلام لا يرى أحد أحداً، فما دام لا أحد يراه فلن يذهب للصلاة، لكن الظهر تؤدى في النهار، وكذلك في العصر والمغرب الناس موجودون، فسيرائي في صلاته.
والأمر الآخر أنه إذا كان الوقت صيفاً، وجاءت صلاة العشاء كان ذلك بداية برودة الجو بعد عناء في نهار الصيف؛ فيكون أدعى إلى الراحة والخلود، وفي الفجر يقصر وقت الليل، ثم مع قصر الليل يكون ليل الصيف في آخره أبرد، فهو أدعى إلى الخلود والراحة في الفجر.
وإذا كان الشتاء فإن وقت العشاء مع قصر النهار وظلمة الليل وشدة البرد يخلّد إلى السكون، ومع طول الليل يشتد البرد، وهذه دواعي الجلوس والترك، ومن هنا كان الوعيد على الفجر والعشاء أشد؛ لأنهما يكتنفان بعوامل القعود والترك، ولذا جاء التحريض على هاتين الصلاتين بقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله) .
وإن كان النص قد جاء في صلاة العصر: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسطى} [البقرة:٢٣٨] .
وفي رواية الموطأ أن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عندما طلبت من الكاتب أن يكتب لها مصحفاً قالت: إذا وصلت إلى هذه الآية فآذني فآذنها فأملت عليه: (والصلاة الوسطى صلاة العصر) .
فهذه يعتبرها علماء التفسير من الروايات المفسرة للمعنى، وليست زيادة في القرآن، ولهذا لا تكتب عندهم في صلب المصحف، وإنما على الهامش على أنها مفسِّرة لماهية الصلاة الوسطى؛ لأننا وجدنا خمسة أقوال في الصلاة الوسطى، منهم من يقول: هي الصبح لأهميتها وثقلها ومنهم من يقول: هي العشاء لأهميتها وثقلها ومنهم من يقول: هي المغرب لأنها وتر النهار ومنهم من يقول: هي العصر، كما جاء في الرواية.
ومنهم من يقول: هي الظهر لأنها وقت القيلولة فالأقوال متعددة.