للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان الذكر عند الانتهاء من الوضوء]

قال رحمه الله تعالى: [وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) .

أخرجه مسلم والترمذي وزاد: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) ] .

لقد أحسن المؤلف ختم هذا الباب بهذا الحديث، وبيان ما ينبغي أن يقوله المتوضئ، فهذا هو الدعاء المسنون المشروع عقب الوضوء، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يتوضأ فيسبغ -قيده بإسباغ الوضوء- ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) ، فهي أساس التوحيد وقاعدة الإسلام، فأنه فعل ذلك امتثالاً لأمر الله، وطاعة لرسول الله؛ لأن هذا العمل الذي جاء به أمر تعبُّدي، ولا دخل للعقل ولا للعلة فيه، إنما يأتي به المسلم طاعة لله ورسوله، كما يقول ابن رشد في بداية المجتهد: (عملٌ مُوجَبُه في غير موجِبِه) .

فالإنسان يخرج منه الريح، فيتوضأ ولا يغسل موضع خروج الريح الذي هو سبب في الوضوء، فلا نغسله ونغسل أعضاءً بعيدة كل البعد عن سبب هذا الوضوء، فأين العلة هنا؟ فلا علة ولا سببية، إنما هي طاعة لله.

ومن هنا يعلن المسلم هذه الشهادة عقب هذا العمل التعبدي المحض الذي لا علاقة له بعلة ولا سبب، كأنه يقول: يا رب! أشهد أنك أنت الله الواحد الأحد، أمرتني فامتثلتُ، وأشهد أن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم بلَّغنا عنك فسمعنا وأطعنا، فتحقيق الإيمان بالله والطاعة لله ولرسوله، بسببه فتحت له أبواب الجنة الثمانية.

وقال في الحديث: (فُتحت) ، ولم يقل: (تفتَح) ، فقالوا: هذا يراد به أنها ستُفتح له يوم القيامة.

ونحن نقول: لماذا التكلف فيها؟ لنقل: فُتحت الآن، وما المانع أن تُفتح الآن؟ وسيدخلها إن شاء الله من أيِّ أبوابها، فلا مانع.

وزاد بعض الروايات: (اللهم اجعلني من التوابين -أي: فيما أخطأتُ، وما أسررت وما أعلنت- واجعلني من المتطهرين) ، والتوبة هي طهارة داخلية، والتطهر طهارة ظاهرية، ولأن الوضوء يحقق الطهارة والنظافة فسأل الله التوبة بالمناسبة.

ومن هذا قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٣٧] ، ثم قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمران:٣٨] ، فلما وجد الأرزاق تأتي من عند الله قال: يا رب! أعطني.

فكذلك هنا، فلما فعل الطهارة الحسية طلب من الله الطهارتين: الطهارة الحسية من كل الأخطاء، والطهارة المعنوية بالتوبة، فيكون من عباده التوابين والمتطهرين.

وينبه العلماء على قضية شائعة عند العوام، وهي أنهم يجعلون لكل عضو من أعضاء الوضوء دعاءً، ويقول النووي رحمه الله: كل هذه الأدعية المخصوصة بكل عضو لا أصل لها في السنة، وإنما يفعلها بعض الناس بالمناسبة.

والله تعالى أعلم.