قد يقال: هل يمكن أن نتطلع إلى سبب في التفريق بين بول الغلام وبول الجارية، أم أنه لا يوجد هناك فرق؟ قال بعض المتقدمين -وهو المتولي من أئمة الشافعية-: نعم هناك فرق؛ فإن بول الغلام أبيض رقيق خفيف، وبول الجارية أصفر ثقيل كثيف، فالفقهاء نبهوا على أن هناك فرقاً في الماهية، فبول الغلام رقيق خفيف يكفي فيه الرش، وأما بول الجارية فأصفر كثيف ثقيل والنضح لا يكفيه، ويحتاج إلى الغسل.
وبعض المتأخرين الذين يتكلمون عن التشريح أو عن الخواص يقولون: بول الجارية فيه من هرمون الأنوثة أكثر، فيحتاج إلى زيادة في الغسل، وهرمون الأنوثة -كما يقولون- أثقل من هرمون الذكورة، والله تعالى أعلم.
وبعضهم يعلل ذلك بقوله: الغلام ذكر والجارية أنثى، وأصل الخلقة -خلقة الإنسان- هو أبونا آدم، وآدم خلق من تراب وماء، والماء والتراب طهوران، فأصل التكوين في خلقة الذكر من طاهرين، والأنثى جاءت من حواء، وحواء خلقت من ضلع آدم، وضلع آدم فيه دم ولحم، والدم نجس، فالغلام يرجع إلى أصله، والجارية ترجع إلى أصلها، وهذا امتداد طويل وبعيد الاعتبار، وذكرناه من باب الفائدة.
وهناك من يقول -وهي قضية والله ما أدري كيف ساغ لهم أن يقولوها- فيقول: الرسول صلى الله عليه وسلم عامل الناس بحالة نفسية؛ إذ كان العرب في أول أمرهم إذا جاءهم المولود أنثى فهم كما قال تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:٥٨] .
فكانوا إذا جاءت البنت لا يحبون حملها، أما الصبي فيحب، ودائماً يحمل، فخفف في بوله، لكن هذه العادة غير حميدة، فهل يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ويقر الناس عليها، ويخفف لهم ويرخص لهم بسببها، أم يقضي عليها؟ لاشك أنه سيقضي عليها.
فهذه وإن كانت ساقطة فهي بعيدة بعد آدم وحواء، لكن تلك أقرب للتعليل من هذه.
ومهما يكن من شيء فإن المهم هو الحكم الفقهي، وهو أنه يكتفى بنضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، وبعض الذين قالوا بالغسل قالوا: النضح بمعنى الغسل؛ لأنه جاءت رواية:(رشه: نضحه) ، والنضح غسل.
ولكن جاء في رواية علي رضي الله تعالى عنه:(فنضحه ولم يغسله) فهل النضح هو الغسل أم هو مغاير له؟ والجواب: مغاير له، ويكفينا في ذلك أن أصل البول نجس، وذلك في الأصل عند الجارية، ولكن الغلام الرضيع الذي لم يتناول الطعام خففت حالته، واكتفي فيه بالنضح، وما عدا الغلام الرضيع -سواءٌ أكان غلاماً يأكل الطعام، أم جارية من أول أمرها -فإنه يغسل، والله تعالى أعلم.