قال المصنف رحمه الله: [وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن] .
النظر في الأسباب والمسببات، والغاية والوسيلة أمر مهم في إيقاع الحكم، والقاعدة تقول: الوسيلة تأخذ حكم الغاية، فإذا كانت الغاية واجبة فوسيلتها واجبة، على القاعدة الأصولية:(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) .
فمن أخر بيع العنب -العنب نضج والناس تبيعه في السوق- فأمسكه حتى يزيد في النضج، ثم يبيعه لزبائن مخصوصين، يطلبون زيادة النضج ليتخذوا منه خمراً، والخمر من هذا النوع يكون أسرع وأقوى منه في العنب الفج الجديد.
وبعض الطيور تخمر العنب على الشجرة، خاصة النّعر، وأهل البساتين يعرفون هذا، فيأتي إلى الحبة الكبيرة التي ليست في مواجهة الشمس فينقرها من أعلاها -من جهة العنقود- نقراً صغيراً، قد يكون سمكه ملي ونص أو اثنين ملي، ويأخذ منها قطرة أو قطرتين، ثم يذهب إلى الطين ويأخذ طيناً ويسد هذه الفتحة، ولما دخل الهواء إلى العنبة أغلقها عن الهواء مرة أخرى، والهواء الذي دخل فيها يتفاعل مع مائها حتى تتخمر، وينتظرها أياماً معروفة عنده، ثم يأتي -يقول بعض الإخوان: إن ذلك يكون غالباً في العصر- فيسحب الطين عنها، ثم يشرب ما فيها وقد تخمرت، ثم ترى هذا الطير يغرد ويغني في محله هناك! فتأخير العنب إلى آخر وقته يساعد على قوة الخمرية.
والحديث عام، فمن باع العنب في أول ظهوره، أو البسر في أول ظهوره، أو المشمش، أو الخوخ، أو البصل، أو أي نوع من الأنواع التي تتخذ منها الخمور -وهو يعلم أن المشتري يشتريها لذلك- فهو متقحم باباً من النار على بينة؛ لأنه تعاون معه على الإثم والعدوان.