جميع علماء الحديث من أصحاب السنن الست وغيرهم متفقون على أن من أكل لحم الجزور يتوضأ، وأما الأئمة الأربعة رحمهم الله: فـ مالك والشافعي وأبو حنيفة رحمهم الله يقولون: لا يتوضأ؛ لأنه نسخ الوضوء من أكل لحم الإبل، ولم يقولوا: ليس بثابت، بل قالوا: نسخ.
وأما أحمد رحمه الله فيقول بالوضوء من لحم الإبل، وهذا هو مشهور المذهب، وإن كان هناك عن أحمد رواية أخرى توافق الأئمة الثلاثة، ورواية ثالثة: أن من أكله عالماً بالنهي توضأ، ومن أكله جاهلاً بالنهي لا يتوضأ.
وهذه مردودة عند متأخري أهل المذهب؛ لأن عندهم أن نواقض الوضوء لا تتوقف على العلم والجهل.
إذاً: من الناحية الفقهية فالأئمة رحمهم الله: أبو حنيفة ومالك والشافعي يقولون بعدم الوضوء، وأحمد رحمه الله المشهور في مذهبه الوضوء.
إذا كان الأمر كذلك فهناك تفريعات في هذه المسألة: السائل سأل عن اللحوم، فيأتي عند من يقول بالوضوء من اللحوم، هل الحكم مناط باللحم فقط في مسماه، وفي حقيقته العرفية، أو أنه يتبع اللحم غير اللحم عرفاً؟ وهل اللبن -لبن الإبل- يتبع اللحم؟ وهل المرق الذي طبخ فيه اللحم يتبع اللحم؟ وهكذا هل يتبع اللحم الكرش، والكبد، والدماغ، واللسان، ولحم الرأس؟ يقولون: كل هذه أصبحت في العرف متميزة، بدليل أنك لو أمرت خادماً لك أو إنساناً أن يأتيك بكيلو جرام لحم إبل، وذهب وأتى لك بكرش كامل، فستقول له: يا أخي! أنا ما قلت لك: كرش، أنا قلت لك: أريد لحماً.
فإن قال: هذا لحم! فستقول له: لا هذا ليس بلحم؛ لأنه قد أصبح العرف عند الناس أن اللحم في البعير غير الكرش، والكرش له اسم مستقل.
ولو قال لك قائل: اذهب وائتني بلحم رأس.
فذهبت وأتيت له بلحم فخذ، أو أتيت له بالسنام.
فهذا كله لحم! لكنه لا يرضى بذلك، لما كانت أجزاء الحيوان لها أسماء عرفية عند الناس فهل يقتصر النقض على مسمى اللحم العرفي عند الناس أو يشمل جميع أجزاء الإبل؟ هناك من يقول: يشمل جميع أجزاء الإبل؛ لأن الله لما حرم لحم الخنزير شمل جميع أجزاء الخنزير.