المخابرة: مأخوذة من خيبر، وبعض الناس يقول: هذا كان خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحيح أن المخابرة على ما كان عليه أهل خيبر، والرسول صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه خيبر، أتاه اليهود وقالوا: يا محمد! نحن أعلم بالزراعة، ومتفرغون لها، دعنا نخدمك فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: نقركم ما أقركم الله، وأعطاهم إياها على النصف مما تُخرج، وكان هذا العقد على كل أرض خيبر: نخيلها، وما يأتي به من التمر والرطب، وكرومها، وما يأتي به من العنب، وأرضها البيضاء، وما تأتي به من الحب، فيجمع الجميع ويعطى نصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم يقول: كانت المخابرة على النخل فقط.
وقد جاء أن عبد الله بن رواحة أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليخرص عليهم، والخرص: التقدير، وهذه طريقة تقريبية، وتكون في الزكاة، فيأتي العامل، ويقف عند نخلة، وينظر كم فيها من عرجون، وما فيه من الرطب والبسر والزهو لو أثمر وصار تمراً كم يأتي؟! ويقدر كل نخلة بما يترجح عنده، فإن كان للزكاة قدر على صاحب البستان وقيل له: زكاتك كذا؛ لأننا قدرنا أن هذا النخيل سيأتي بكذا وسق، وعليك كذا، وهو نصف العشر، أو العشر.
فلما جاء ابن رواحة ولقيه اليهود -عملوا على طريقتهم- جمعوا له من حلي نسائهم، وقالوا: خذ هذا لك، وخفف عنا.
أي: أنه إذا كان فيها ألف وسق، سنكون ملزمين بخمسمائة، فأنت قدر الألف بستمائة، فيكون علينا ثلاثمائة بدلاً من خمسمائة، وعوض ذلك أن تأخذ هذا لك.
فقال لهم: يا إخوة الخنازير! والله لقد جئت من أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض الناس عندي، ووالله ما حبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضي إياكم حاملي على أن أحيف بكم، إني مقدر، فإن شئتم فخذوا والتزموا، وأعطونا نصف ما قدرت، وإن شئتم فارفعوا أيديكم، وألتزم لكم بنصف ما قدرت.
فقالوا: بهذا قامت السماوات.
أي: بعدم قبول الرشوة، وبالعدالة، فحينما يقدر فيها ألف وسق، فإما أن تلتزموا بخمسمائة، أو أنا ألتزم لكم بخمسمائة، وليس في هذا إجحاف! يلتزم لهم بنصف ما قدر، أو يرضى منهم بنصف ما قدر.
فبعضهم يقول: المخابرة كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الآخرين يقولون: بل هذا تشريع عام، وقد بقيت إلى زمن عمر، وبقيت معاملتهم بذلك حتى أجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه لما بلغه حديث:(لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) .
إذاً: المخابرة نوع من المعاملة في الزراعة بجزء مما يخرج من الأرض، فإن كان هذا الجزء معيناً: النصف، أو الربع، أو الثلث؛ فلا بأس بذلك.