قوله:(ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) : العصر ينتهي وقته بغروب الشمس، ويقولون: كل صلاة يبدأ وقتها بنهاية ما قبلها إلا الظهر؛ لأن ما قبلها وهو الفجر ينتهي بطلوع الشمس، وما بين طلوع الشمس إلى زوال الشمس ليس من وقت الصبح ولا من وقت الظهر، ولهذا يقولون: إن أول الأوقات وقت الظهر، وأول ما نزل جبريل عليه السلام ليبين للنبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة إنما كان في صلاة الظهر، ويقولون: إن آدم أول ما نزل إلى الأرض صلى صلاة الظهر، فيقولون: إن الظهر هي أول التوقيت، فأول الأوقات الظهر، يليها العصر، ثم في نهياتها يليها المغرب، ثم في نهايتها يليها العشاء، ثم في نهايته يليه الصبح، وما بين الصبح والظهر فترة طويلة بين الوقتين.
ونذكر حديث جبريل عليه السلام عندما بيَّن للرسول صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات، وذلك بعد ليلة الإسراء والمعراج إذ فرضت الصلاة، وفرضها الله على رسوله كفاحاً، ونعلم بالقصة عندما خففها من خمسين إلى خمس، فلما نزل صلى الله عليه وسلم، لم يأته جبريل لصلاة الصبح، ولكن جاءه لصلاة الظهر، وجاءه في يومين متواليين، فصلى به في اليوم الأول الصلوات الخمس في أول وقتها، ثم من الغد صلى به الصلوات الخمس في آخر وقتها إلا المغرب فإنه صلاها في اليومين في وقت واحد، ولذا كان وقتها ضيقاً عند المالكية كما سيأتي في بيان وقتها.
وثبت أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة عن وقت الصلاة، فقال:(صل معنا، فصلى من الغد الصلوات الخمس في أول أوقاتها، ومن بعد الغد صلى الصلوات الخمس في آخر وقتها، ثم قال: أين السائل عن أوقات الصلاة؟ فقال: هأنذا يا رسول الله! فقال: ما بين هذين وقت) .
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الصلاة كتاب موقوت، وأشار القرآن إلى أوقات الصلاة كما في قوله تعالى:{أًقِمِ الصَلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء:٧٨] ، وجاءت السنة وبيّنت وفصلت الأوقات، وبيّن صلى الله عليه وسلم أول الوقت وآخره، وأخبر أن أفضل الأعمال إيمان بالله ثم الصلاة في أول وقتها.
فالمغرب يمتد وقته ما لم يغب الشفق، ولكن الأفضل في المغرب أن يبادر به، وعند المالكية أن وقت المغرب لا يمتد إلى الشفق إلا عند الضرورة، وعندهم أن وقتها يخرج بالأذان والإقامة وصلاة ركعتين وصلاة الفريضة وصلاة ركعتين، وبهذا ينتهي وقت المغرب الاختياري؛ لأن جبريل صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب في اليومين في وقت واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم لما بيّن للأعرابي الأوقات صلى المغرب أيضاً في وقت واحد، وفي بعض الروايات أنه أخره إلى غياب الشفق وقال:(ما بين هذين وقت) .
إذاً: السنة بينت أوقات الصلاة، وفي هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام:(والمغرب ما لم يغب الشفق) ، والشفق عند الجمهور أنه الحمرة التي تكون عند غروب الشمس، وهي كالصفرة التي تكون قبيل طلوع الشمس، وكلها من آثار أشعة الشمس، فالاصفرار قبل طلوع الشمس، فأشعة الشمس تسبق إلينا قبل أن تبرز الشمس، والشفق هو: بقايا أشعة الشمس بعد أن غربت الشمس.
إذاً: الشفق الحمرة، وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أن الشفق هو: البياض، والبياض يأتي بعد الحمرة، وبعض المفسرين والعلماء قال: لقد رقبت الشفق الأبيض، فإذا به قد يبقى إلى نصف الليل.