قال المصنف رحمه الله: [ولـ أبي داود من حديث عبد الله بن زيد أنه قال: (أنا رأيته) ، يعني: الأذان (وأنا كنت أريده) ، قال:(أقم أنت) وفيه ضعف أيضاً] .
هكذا رواية عبد الله بن زيد أنه لما رأى ألفاظ الأذان في المنام أو كما يقول الأحناف: تلقاه عن ملك، على الخلاف في الرواية؛ لأن رواية عبد الله بن زيد فيها:(رأيت كأني وأنا في النوم أقول: نائم ولست بنائم) .
يعني: بين المنام واليقظة، في حالة بين وبين، فالأحناف حملوا هذه الحالة على أن الرجل الذي رآه عبد الله بن زيد لابساً حلة خضراء ويحمل كذا وكذا أنه ملك نزل ليعلم عبد الله ألفاظ الأذان، وسواءً كان ملكاً أو كانت رؤيا منام، فالرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة، فلما أجرى الله سبحانه وتعالى هذه السنة على يده، وأراه إياها، رأى أن لنفسه حقاً فيها، وقال:(كنت أريده) ، أي: كنت أريد الأذان؛ لأنه شرف عظيم وفضل كبير، وقد قال عمر: لولا الإمامة لكنت مؤذناً، أو لو كنت أستطيع الأذان لأذنت، فالمؤذن يشهد له كل من سمع صوته من شجر وحجر ومدر، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً، ويوجد آثار كثيرة في فضل المؤذنين.
فكان يريده لنفسه لأنه الذي رآه، ولكن كونه الذي رآه شيء، وموضوع الأذان شيء آخر، فموضوع الأذان إعلام، والأحق بالإعلام من كان أندى صوتاً، أما كونك رأيته وصوتك دون صوت بلال في ارتفاع الصوت أو النداوة أو القبول أو الصيغة وحسن إصغاء الناس إليها فهذا أدعى لأن يتولى هو الأذان؛ لأنها صفات ذاتية في الأذان، وكونك أنت رأيته يكفيك شرفاً وفضلاً، أما أداء الأذان بذاته فنحن نريد الإعلام، والإعلام أحق به من كان أندى صوتاً، وهذا من وضع الشيء في موضعه، لكن من حقه أن يتطلع، فقال له صلى الله عليه وسلم:(أقم أنت) ، يعني: نحن جعلنا الأذان لـ بلال لأنه أندى منك صوتاً، وهذا هو الوصف المناسب للحكم، وأما أنت لكونك رأيته وتتطلع إليه فأقم، والإقامة شريكة الأذان، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم سماها أذاناً في قوله:(بين كل أذانين صلاة) ، وهما الأذان والإقامة، والإقامة تكون بألفاظ الأذان.
إذاً: من أذن فهو يقيم، وعبد الله بن زيد تطلع للأذان فجعله عليه الصلاة والسلام أن يقيم وبلال يأذن، ومن هنا قالوا: لو أقام غير المؤذن صحت الإقامة ولا تعاد.