هنا بدأ المصنف رحمه الله ببيان من لا تصح لهم الصدقة؛ لأن الذين تصح لهم الصدقة أصناف ثمانية، وأما الذين لا تصح لهم الصدقة فهم صنفٌ واحد وهم الأغنياء، وكما يقال:(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ، والشيء الذي يمكن حصره في التعليم والبيان ذكره أولاً أولى من الذي لا يمكن حصره، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل:(ماذا يلبس المحرم يا رسول الله؟ ... ) فالسؤال كان عن الذي يلبسه المحرم، فقال:(لا يلبس المحرم ... ) ، فنحن نسأل عن الملبوس، فأفادنا ما هو الذي لا يلبس؛ لأن ما يلبس لا حصر له، ولكن المراد هو اجتناب ما لا يلبس، واجتناب ما لا يلبس معدود.
إذاً: لا يلبس القُمص ولا العمائم ولا البرانس، ولا السراويل ولا الخِفاف، فهذه أشياء محدودة، أي: فاجتنبها والبس بعد ذلك ما شئت.
فيكون ذكر ما هو محصور أسهل وأيسر في التعليم من ذكر وتعداد ما لا حصر له، ولهذا بدأ المصنف رحمه الله كتاب تقسيم الصدقات بذكر من لا تحل لهم.
قال:(لا تحل الصدقة لغنيٍ إلا لخمسة) : (لا تحل) أي: تحرم ولا تجوز.
من هو الغني ومن هو الفقير؟ يختلف العلماء في حد الغني والفقير، فبعضهم يقول: الغني هو: من عنده قوت يومه وليلته؛ لأنه ليس محتاجاً، وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أن الغني هو من يملك نصاباً؛ لأنه يعطي، والناس أحد قسمين: إما غنيٌ يزكي، أو فقيرٌ يأخذ، فالقسمة ثنائية، فالغني الذي تجب عليه الزكاة هو من امتلك النصاب، والفقير الذي يحق له أن يأخذ الزكاة هو من لم يمتلك نصاباً، ولهذا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله أن تعطي من الزكاة شخصاً يملك مالاً أقل من النصاب قليلاً؛ لأنه بهذا الوصف فقير وليس بغني.