بقي عندنا من فقه الحديث مسألة الأطفال الصغار، فالآباء يفرحون بالمولود الصغير، فإذا جاءت مناسبة أو جاء العيد قد يأتون للطفلة بأنواع من الحلي على قدرها، وأنواع من الحرير على قدرها، وإذا كان المولود ذكراً وأرادوا أن يفرحوا به ويجملوه فهل يلبسونه الحرير والذهب؛ لأنه صغير لا يجري عليه القلم، أم هم المكلفون والمسئولون عن ذلك؟ فعند الشافعية جواز ذلك في الأعياد والمناسبات؛ لأنهم غير مكلفين، وعند مالك رحمه الله عدم جواز ذلك؛ لأن النهي عام، فالذكر وهو في بطن أمه ذكر، فإذا جاء إلى الدنيا ما تغيرت الذكورة، فيشمله وصف الذكور، فلا يجوز مالك أن يلبس الصغير حريراً أو ذهبا في عيد ولا في غيره، وغير مالك يقول: هذا طفل صغير، ولا مانع أن نفرح به ونزينه، وفي نظري أن مما يؤيد مذهب مالك مبدأ سد الذريعة، وهذا باب واسع جداً، وللأسف إلى الآن لم أجد من طلاب العلم من خصه برسالة جامعية، فقد كتبوا في كثير من أبواب الفقه إلا هذا الباب على حد علمي.
وسد الذريعة: هو ترك المباح خشية الوقوع في غير المباح، فالنهي عنه لغيره، وأصله في كتاب الله قوله تعالى:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام:١٠٨] ، فسب الذين يدعون من دون الله جائز، فلك أن تسب الأصنام وتحطمها، ولكن إذا كان سبك لأصنامهم يحملهم على أن يسبوا الله لأنك سببت آلهتهم فلا يجوز لك ذلك، كما في الحديث:(لعن الله من لعن والديه) ، وهل أحد يلعن والديه؟ نعم، كما في الحديث الآخر:(يلعن أبوي الرجل فيلعن الرجل أبويه) ، فهو سبب في لعنهما فهذا هو سد الذرائع وهو باب مهم جداً.
وأجد كثيراً من العلماء يتحاملون على المالكية لأنهم أكثروا من هذا الباب، ولا يوجد أحد من المذاهب الأربعة إلا وقد أخذ منه ما قل أو كثر.
وأقول: مما يمكن أن يستدل به لـ مالك ويستأنس به أن الطفل إذا عودته على حلوى معينه، أو على لعبة معينة، أو على شيء معين فكبر وقد تعود على شيء أصله ممنوع فإنك تحتاج إلى معاناة في أن ترده عن هذا الذي شب عليه وعودته إياه، أما إذا عرفته من الصغر أن هذا ممنوع فقد استرحت واستراح.
فالأولى ألا يلبس الصغار الحرير، بل ينشأون على الجد وعلى الرجولة، ولا يحلى الصبي بالذهب حتى لا يكون هو وأخته سواء، فالصبي الذي على الفطرة عندما تلبسه هو وأخته بالحرير والذهب أعتقد أنه يغضب، ويقول: هذا للبنت.
ويرميه.
فحينما يكون عند الطفل إحساس بما يخص البنات فإنها بادرة خير.
فمما يؤيد مذهب مالك رحمه الله سد الذريعة حتى لا ينشأ الطفل ويتعود على الحرام.
والآن تجد الطفلة عمرها ست سنوات تخرج مع أمها، وقد تأتي بها إلى المسجد، وثيابها إلى الركبة، فهذه حينما تنشأ على ذلك، وتبلغ الثانية عشر من عمرها، وتريد أمها أن تلبسها ساتراً إلى الكعبين هل تستطيع ذلك؟ إنها -حينئذ- ٍتقول: أريد هذا أريد القصير الذي تعودت عليه لكن لو كان في أول الأمر عرفتها بأن هذا لباسها، وذاك لباس أخيها، حينئذ يسهل على الأم أن تأمر ابنتها، وأن تستجيب البنت لها، والله تعالى أعلم.