في هذه الآونة نجد المسائل الخلافية لربما تناولها بعض الإخوة بشيء من الجدل، وبشيء من الشدة فيما بينهم، وكنت سابقاً قبل الاشتغال بالموطأ، والوقوف على هذه القضية، أدرس بداية المجتهد، وهو الكتاب الوحيد في بابه الذي يورد أسباب الخلاف، وعند كتاب زكاة الحلي وما فيها من خلاف وضعت منهجاً وقلت: لا يمكن لإنسان يريد أن يفهم مسألة خلافية إلا إذا تتبع خطوات أربع: الخطوة الأولى: معرفة الخلاف على ما هو عليه، فلان قال، فلان قال، فلان قال، احصِ الأقوال المختلفة.
الخطوة الثانية: قف على دليل كل صاحب قول، هذا القول ما دليله؟ دون مناقشة.
الخطوة الثالثة: إذا أحصيت الأقوال، ثم عرفت أدلتها عند أصحابها تساءلت مع الجميع عن دليل كل شخص آخر: لم لم يأخذ به؟ وبم يرد عليه؟ وهذه الخطوات الثلاث تشبه عند المناطقة التصور.
ثم تأتي الخطوة الرابعة النهائية، وهي: الترجيح والحكم، وهي ما تعادل عند المناطقة بالتصديق.
فلما وقفت على قضية مروان هذه وجدتها طبق الأصل لما ذكرته من منهج تحقيق المسائل الخلافية، وبيان ذلك: مجلس منعقد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسألة فقهية أثيرت: هل الصائم الذي يصبح جنباً، يصح صومه أو لا يصح صومه؟ وجدنا الخلاف من طرفين: طرف يقول: لا يصح.
وطرف يقول: يصح.
ما مستند كلا القولين؟ مستند من يقول: لا يصح، ما جاء عن أبي هريرة، ومستند من يقول: يصح، ما يأتيه من أخبار أخرى، ولم يسمع بقول أبي هريرة، ومروان لم يعرف الدليل الثاني إلا بعد ذلك، فقبل أن يأخذ برأي أبي هريرة أو يرفضه احترمه ووقف عنده، ولكنه رد الأمر إلى أهله؛ لأن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بحاله الداخلي من غيره، ولما سأل جاءه الجواب، فتبين عند المجتمعين وجود القولين ووجود الدليلين، بقي حينئذ أن نسأل أبا هريرة عن قول عائشة: ماذا يجيب عليه؟ ولم لم يأخذ به؟ وبم يرد عليه؟ فأرسل إليه بتلطف، ولم يستدعه إليهم، ولكن أرسل إليه في مكانه وسأله، فتبين أن ما قاله أبو هريرة لا يرفعه إلى رسول الله، بل يقول: أخبرني مخبر.
فحينئذ يبقى الترجيح، وكيف نعادل بين دليل يقول: أخبرني مخبر.
ودليل يقول: كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويصبح صائماً؟ أعتقد أن الحق اتضح، والطريقة واضحة.