ومن هنا -أيها الإخوة- نعلم أن فرض الزكاة للفقراء ليس معناه إذلالهم ولا إراقة مياه وجوههم، بل يأخذونها مع حفظ كرامتهم، وقد قال سبحانه:{لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}[البقرة:٢٦٤] ، ثم بين أيضاً فقال:{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}[البقرة:٢٦٣] ، وكل ذلك حفاظاً على كرامة الإنسان؛ لأن الفقر والغناء ابتلاء من الله، لو شاء لحوَّل المال من الغني إلى الفقير: وما يدري الفقير متى غناه ما يدري الغني متى يعيل وما تدري وإن ضمرت صقباً لمن يكون ذاك الفصيل فلو ولدت الناقة وأنت قمت على الفصيل الصغير ونظفته وهذبته وفعلت كل شيء، فإنك لا تدري هو لك أو تذهب وتدعه لغيرك.
إذاً: الابتلاء بالمال في الغنى وفي الفقر امتحان من الله للعبد؛ أيشكر الغني على غناه؟! ويصبر الفقير على فقره؟! فمن هنا كان هذا الحق مع كرامة المسكين، فإنه لم يقل له: اذهب وخذ حقك من الأغنياء؛ لأنهما ربما يعطونه وربما يماطلونه أو يعقدون الوجه في وجهه، ولذا كلف الرسول الكريم -وهي لا تحل له- بأن يقوم عليها ويأخذها، ومن امتنع قاتله وأخذها عنوة، وأخذ شطر ماله.