وحكم رد العارية لصاحبها، فالكلام كله ينحصر في جزئية وهي: فيما إذا تلفت العين المعارة، وإذا لم تتلف، فإذا أخذها وانتفع بها ثم جاء بها وقال: جزاك الله خيراً، بارك الله لك في عين مالك، فهنا انتهت المسألة، لكن إذا تلفت في يد المستعير فهنا الخلاف، وإذا كانت في يد المستعير فليس له أن يعيرها، إلا ما جاء عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: له حق في أن يعيرها، والجمهور يقولون: ليس له حق في ذلك؛ لأن المعير ائتمن المستعير بذاته وأما غيره فلم يأذن له أن يعطيه، واتفقوا على أنه لا يؤجرها، فلو قال: أعرني إياها يومين، فقضى حاجته في يوم وأجرها في اليوم الثاني، فلا يحق له ذلك، وإن تلفت في يد المستعير الثاني أو المستأجر فصاحبها بالخيار إن شاء ضمن المستعير الثاني؛ لأنه لم يأذن له، وإن شاء ضمن المستأجر، وإذا ضمن المستأجر الذي كان قد استأجرها على أنها للمستعير ودفع له الأجرة فإنه يرجع على من أجرها عليه؛ لأنه أجر ما لا يملك.
فإن تلفت تحت يده نظرنا: هل تلفت في استعمالها فيما استعيرت له أو خارجاً عنه، وقد نبهنا على قول الفقهاء: إن تلفت فيما استعيرت له بغير تعدٍ ولا تفريط فهنا محل البحث: هل يضمن أو لا يضمن، فإن كان استعارها لشيء فتعدى حدود الشيء المستعارة له إليه أو فرط في العين حين استعمالها فتعديه وتفريطه يقتضي الضمان، ولهذا كانت القاعدة في قانون الجنايات أن المسئولية تترتب على التعدي أو التفريط، هذا مناط المسئولية في الجنايات.
فكذلك هنا، إذا استعارها إلى مسافة فتجاوزها، أو استعارها إلى نوع من العمل فتعدى إلى عمل آخر أو إلى نفس العمل ولكن تجاوز الحد.
مثلاً: استعارها لينقل عليها أسمنت وحمولتها طن فذهب وحمل عليها طنين، فهذه استعيرت له ولكنه ليس في حدود طاقتها، فهو بهذا قد تجاوز وتعدى.
وكذلك إذا تلف من العارية جزء يؤثر على المنفعة بباقيها فالحكم كما هو في تلف عين العارية فما استعملت له أو فيما استعيرت له بتعدٍ أو بتفريط فيكون الضمان في الجزء المفقود.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.