[الصلاة على الشهداء]
أما القسم الثالث من الحديث: (ولم يصل) هذا مبحث طويل، هل الشهداء يصلى عليهم أم لا؟.
أولاً: تقدم تقسيم الشهداء إلى قسمين: شهداء المعركة، وشهداء غير المعركة.
قال عمر رضي الله تعالى عنه: (اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك ودفناً في مدينة رسولك) ، قالوا: ماذا بك يا عمر! تريد تأتي بالقتل إلى المدينة؟! قال: الله كريم.
فقتل وهو في الصلاة وكتبت له الشهادة، ولكن ليست شهادة المعركة، فهذا يعامل معاملة عامة الموتى.
أما الذي في أرض المعركة فيختلف الفقهاء في كونه يصلى عليه أم لا.
أولاً: وقبل كل شيء: أجمع العلماء على أن شهداء المعركة لا يغسلون، ويقولون: يبقى بدمه ليبعث يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: (اللون لون الدم والريح ريح المسك) ويقولون: هنا قسمان: مداد العلماء، ودماء الشهداء، تأتي يوم القيامة اللون لون الحبر، والريح ريح المسك، فالشهداء لا يغسلون بإجماع المسلمين دون أي خلاف، ولو وجد خلاف لا عبرة له؛ لأن شهداء المعركة لا يغسلون.
أما الصلاة عليه فيقول جابر: (ولم يصل عليهم) إذا جئنا إلى هذه المسألة بعنوان مستقل: (الصلاة على الشهداء) هل يصلى على الشهداء أم لا؟ نجد الآثار الواردة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد، وجابر يقول (ولم نصل عليهم) ونجد الآثار متعددة، ولا يسلم واحد منها من مطعن ومقال، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عمه حمزة رضي الله عنه فكبر سبعاً -سبع تكبيرات- ومنها: أنه صلى عليه وبقي في مكانه وكان يؤتى بالشهداء الآخرين فيوضعون بجواره ويصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: على الشهيد الثاني وحمزة موجود فيشهد حمزة صلاة على غيره معه- ثم يؤتى بآخر إلى سبعين صلاة بعدد الشهداء في أحد.
ونجد بعض الروايات تقول: كان يؤتى بهم عشرة عشرة، ويصلي على العشرة مرةً واحدة، وتكون صلاته على السبعين سبع مرات يصلي عليهم عشرة عشرة وحمزة موجود، فقال بعض العلماء: صلى على حمزة سبعين مرة، أي: بتكرار الصلاة على الأفراد، سبع مرات أي: بتكرار السبعين وتقسيمهم عشرة عشرة، كبر سبع تكبيرات أي: على صلاته وحده.
والآخرون يقولون: لا، لا نصلي على أحد.
وإذا جئنا إلى مجموع هذه النصوص نجد: أن كل نص جاء بأنه صلى عليهم لا يسلم من مقال أو أنه موقوف على صاحبه كـ أبي أمامة وابن عباس وغيرهم، وإذا جئنا إلى: (لم يصل عليهم) وجدنا الأحاديث الصحاح بأنه لم يصل عليهم.
ولنعلم أن الغزوات التي وقعت من بدر إلى الخندق إلى حنين إلى فتح مكة إلى خيبر لا شك وقع فيها شهداء، يقول الشوكاني: لم يرد نص واحد أنه صلى، ولم يرد نصٌ واحد أنه لم يصل، وإنما النصوص المختلف فيها إنما هي في غزوة أحد فقط، وعلى هذا نجد الأئمة رحمهم الله اختلفوا في كون الشهيد يصلى عليه أم لا، فنجد مالكاً والشافعي والمقدم في مذهب أحمد أنه لا يصلى على شهيد، كما أنه لا يغسل فكذلك لا يصلى عليه.
ونجد الإمام أبا حنيفة رحمه الله يقول: يصلى عليه.
إن جئنا للأحاديث فهي متعارضة: صلى كذا مرة، لم يصل عليهم، وأحاديث الإثبات -كما يقولون- (الإثبات مقدم على النفي) لكنها أسانيد ضعيفة، ونجد للمالكية قول عن مالك: عدم الصلاة على الشهداء لماذا؟ قالوا: لأنهم أحياء عند ربهم والحي لا يصلى عليه، فما داموا أحياء عند ربهم والصلاة شفاعة ودعاء للميت، وصلاة على الميت المفارق للحياة، فقالوا: هؤلاء أحياء ولا يحتاجون إلى شفاعة الناس، شهادتهم تكفيهم.
هذا تعليل قد يكون مناسباً أو الوصف المناسب لحالة الشهداء، فإذا كان الأمر مع تاريخ الجهاد في سبيل الله وجاء بعد ذلك الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين، ونعلم كم من المواقع وكم من الغزوات وكم من الجهاد، ولم ينقل بأنهم كانوا يصلون على شهداء المعارك في ذلك التاريخ.
إذاً الجمهور على عدم الصلاة، والأحناف على أنهم يصلون، فإن وجدنا من يصلي لا ننكر عليه، وإن وجدنا من لم يصل لا ننكر عليه، كما قال بعض العلماء: الصلاة فيها الخير.
ونسأل الله أن يأتي بعهد الشهداء، وأن يرفع راية الجهاد ويعلي كلمة المسلمين ويكون هناك شهداء، أما مسألة أن يصلى أو لا يصلى، عليهم فهم في غنىً عن ذلك.
يهمنا تتمة البحث في هذا الحديث، ولم نكن أكملنا الكلام عليه.
إذاً في ثوب واحد، إما أنه يلفان معاً، وإما إنهم يشق لهما -وهذا بعيد- والثاني: أيهما يقدم في اللحد؟ يجمعهم في ثوب واحد في الكفن، ويجمع أكثر من واحد واثنين في قبر واحد للظروف الطارئة.
قوله (ولم يصل عليهم) تقدم الإيراد فيما هو عند الجمهور من الصلاة على الشهداء وعدم الصلاة عليهم.
ونؤكد مرةً أخرى بأن ينبغي علينا أن نفرق بين الصلاة على شهيد المعركة وغير شهيد المعركة، والخلاف في شهيد المعركة، وبعض العلماء يقدم في هذا الباب الصلاة على الجنائز، الميت في الحالة العادية والشهيد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لما قُبض صلى الله عليه وسلم، وتم التجهيز ماذا فعلوا؟ قالوا: كانوا يدخلون عليه صلى الله عليه وسلم يصلون لأنفسهم بدون إمام، لم يتعين إمام بعده صلى الله عليه وسلم، ولم تتم البيعة بعد لـ أبي بكر رضي الله تعالى عنه، والبعض يروي بعض الآثار لكنها ضعيفة بأن أبا بكر هو الذي صلى بالناس، ولكن الجمهور على أنهم يدخلون، قيل أفراداً وقيل: جماعات، وقدموا الرجال، فلما انتهى الرجال أدخلوا النساء، فلما انتهى النسوة أدخلوا الصبية المميزين الذين يحسنون الصلاة.
ويمكن أن يقال: كثيراً ما يتساءل بعض الناس: هل المرأة تصلي على الجنازة أم لا؟ سيأتي لنا حديث عائشة في سعد وأبي بياضة أنه صلى عليه في المسجد، وكذلك النسوة في محضر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، يدخلن أفراداً أو جماعات ويصلين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعض الناس كان يقول: أولئك الذين يدخلون، لا يصلون صلاة الجنازة المعروفة، ولكن كان مجرد دعاء.
ولكن كلمة (صلاة) تحمل على معناها الشرعي ولا تحمل على معناها المجازي أو اللغوي إلا لضرورة أو لقرينة، وليس هنا ضرورة ولا قرينة فصلوا عليه صلوات الله وسلامه عليه.