صلاح الولد هبة من الله، وليس بحزم أو عزم الوالد، ولكن هذا سبب، فهذا نوح عليه السلام مكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ولم يهتد ولده:{يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ}[هود:٤٣] ، فما استطاع نوح أن يهدي ولده ليكون معه في السفينة، فلا والد يهدي ولده، ولا ولد يهدي والده، هذا إبراهيم عليه السلام كم قال لأبيه:(يَا أَبَتِ)(يَا أَبَتِ) ، (يَا أَبَتِ) فقال له: {لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم:٤٦] .
وهكذا امرأة نوح وامرأة لوط، زوجها نبي وما أغنى عن زوجته شيئاً.
فالصلاح هبة من الله، والإنسان مكلف بالتأديب والقيام بالواجب، أما خلق الهدى والتوفيق في قلب الولد فهذا بيد الله، وقد قال الله في سيد الخلق:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:٥٦] ، وأما قوله:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:٥٢] ، فقالوا: إن إثبات الهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هو هداية البيان، كقوله تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت:١٧] ، يعني علمناهم وبينا لهم، ولكنهم تركوا ما بينا، وذهبوا إلى غيره.
والرسول صلى الله عليه وسلم أنذر أبا جهل وأنذر عمر بن الخطاب، وكان يقول:(اللهم! أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك) فهدى الله عمر إلى الهداية القلبية والاستقامة الحقيقية، ولم يهد أبا جهل، وكلاهما كان يسمع القرآن، والرسول كان يدعو الجميع، وليس عمر بأعقل من أبي جهل، وقد كان يقال له: أبو الحكم، فعقولهما متساوية، وأفهامهما متعادلة، ولكن التوفيق بيد الله:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:٢٧٢]{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة:١٣] ، فالأمر بيد الله، ونحن لا نملك في صلاح الأولاد إلا التأديب والرعاية إلى أن يبلغ سن التكليف، ثم ترفع يدك عنه، ولا تملك إلا خالص الدعاء، فإن استجاب الله فالحمد لله، وإن لم يستجب فهذا حكمه، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣] .
والولد هبة ونعمة، قال الله:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}[الشورى:٤٩-٥٠] ، وكون الولد صالحاً هبة أخرى، ونجد أن الخضر عليه السلام قتل الولد حفظاً على صلاح الأبوين، {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}[الكهف:٨٠-٨١] .
إذاً: صلاح الأولاد هبة من الله، والأمور الظاهرية التي كلفنا بها هي الرعاية والتأديب، ويشترك في تربية الأولاد والتأثير عليهم مع الأبوين: المجتمع والمدرسة والمسجد ثم بعد ذلك السلطان؛ لأنه هو الذي له الولاية على الولد إذا دخل في سن التكليف.
فمن رزق بولد فليحمد الله، وليسأل الله أن يجعله صالحاً، فإذا صلح الولد كان نعمة في الدنيا والآخرة، قال الله سبحانه:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:٢١] ، وإلحاق الذرية بالآباء يوم القيامة هبة من الله، وهو مما يستدل به على استفادة الميت بعمل غيره؛ لأن الذرية ما عملت شيئاً بعد الموت، وألحقها الله بآبائهم لتقر عين الآباء، إكراماً للآباء، وليس من أجل الأبناء، {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:٢١] ، أي: ما أنقصنا عمل الآباء مقابل مجيء الأولاد عندهم، فإلحاق الذرية بالآباء فضل من الله مع بقاء أجر الآباء كاملاً.
نسأل الله أن يصلح أولادنا وأولاد المسلمين! ونسأل الله أن يأخذ بنواصيهم إلى الحق! ونسأل الله أن يوفقهم وأن يهديهم، وأن يصلحهم في أمر الدنيا والآخرة! هذا، وإن من صلاح الولد أن يدعو لأبيه، فإذا لم يكن صالحاً فإنه لا يدعو له، بل قد يدعو عليه!