للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة أم أنها كانت موجودة في الأمم الماضية؟]

ثم يأتي البحث أيضاً: هل هذه الليلة خاصة بهذه الأمة أو أنها كانت موجودة في الأمم الماضية؟ فبعضهم يقول: هي خاصة بهذه الأمة، ويذكرون في ذلك ما رواه مالك رحمه الله بلاغاً، وهو من البلاغات الأربعة التي يقولون: لم يوجد لها سند، ولكن تتبعها أبو زرعة رحمه الله فوجدها مسندة بأسانيد تدور بين الحسن والضعف والصحة، هذا البلاغ الذي رواه مالك هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أري أعمار أمته مع أعمار الأمم الماضية، فتقالها؛ لأنها ما بين الستين والسبعين، والذين قبلهم كانوا يعمرون المائة والمائتين، فلما تقالها عظم عليه أنهم لا يعملون زمناً بقدر زمن الأمم الماضية، فلا يحصلون من الجنة بقدر ما يحصل غيرهم؛ لأن الشخص الذي يعيش مائة سنةً في طاعة الله ليس كالذي يعيش ثلاثين سنةً أو أربعين سنةً كما في الحديث: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) فأتي بليلة القدر، وجعلت لأمته تلك الليلة التي قال فيها: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فكانت ليلة القدر تعويضاً للأمة عما نقص من أعمارها، وفي الرواية الأخرى: أنه ذكر لهذه الأمة أنه كان في من قبلنا رجل كان يقوم الليل ويجاهد في النهار صائماً ثمانين سنةً أو مائة سنة، فتقال الصحابة أعمالهم وقالوا: من يستطيع أن يظل ثمانين سنة يقوم الليل، وثمانين سنة يجاهد العدو وهو صائم؟! فلما قارنوا أنفسهم بالنسبة لهذا النوع من البشر المتقدم عظم عليهم ذلك، فأنزل الله سورة القدر، وفيها: أن تلك الليلة خير من الألف الشهر؛ لأن الرجل لبس السلاح ألف شهر، والألف شهر في الحساب تساوي ثلاثة وثمانين سنة وكذا شهراً، يعني فوق الثمانين سنة، فكانت ليلة القدر تعويضاً للأمة عما فاتها من القدرة والاستطاعة على عمل الخير كذاك الرجل الذي عَبَدَ الله ألف شهر قياماً لليل وجهاداً في النهار.

ومن هنا قالوا: إنها خاصة بهذه الأمة، والآخرون يقولون: بل هي موجودة في الأمم قبلنا؛ لما جاء في حديث أبي هريرة: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل ليلة القدر كانت تكون في الأمم مع الأنبياء، فإذا مات النبي رفعت، أو هي باقية وخاصة بهذه الأمة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل كانت مع الأنبياء في الأمم الماضية) وسواء كانت في الأمم الأوائل، أم كانت جديدة في هذه الأمة فنحن يهمنا الاجتهاد فيها.