للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إقطاع السلطان للأراضي وشروط ذلك]

[وعن علقمة بن وائل،عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً بحضرموت) رواه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبان] .

هنا بجانب الإحياء يذكر الإقطاع، والإقطاع هو: أن يمنح السلطان شخصاً من الناس قطعة من الأرض، هذه القطعة التي أقطعها السلطان لفرد من الأمة، هل يكون ذلك تمليكاً أو اختصاصاً؟ الجمهور على أنه تمليك، والآخرون يقولون: اختصاص، فلا يحق له أن يبيعها؛ لأنه أقطعه إياها إرفاقاً به لينتفع بها، والإقطاع على نوعين: النوع الأول: أن يقطعه أرضاً يحييها ويغرسها ويستفيد بها، ويتملكها وتورث عنه.

النوع الثاني: يقطعه ثمرة أرض محياة، أو قرية يقطعه زكاتها، فيقول له: أقطعتك زكاة القرية الفلانية فهو لك، فيذهب ويأخذ زكاة زروعهم وأموالهم ويكون له، وهذا عارض فيه كثير من العلماء؛ لأن الزكاة لأصناف معينة؛ فلا يحق للإمام أن يخصها بشخص.

وقد وجدنا في السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الفقير أو الذي لزمته كفارة أو ما شابه إلى أناس ليأخذ صدقاتهم من باب حاجته إليها، ولكن يقال: هذا في حاجة، وهذا أرسله لفقره أو للحوق الدين به، فهو من مصارف الزكاة، لكن يأتي لشريف من الأشراف، أو لأمير من الأمراء ويقطعه زكاة قرية بكاملها لينتفع بها أو يتملك أو يترفه؛ فهذا ممنوع عليه.

وقد نبه الصنعاني في شرح هذا الحديث: أنه كان هناك إقطاع في اليمن تأسف وتحسر عليه؛ لأنه مخالف للكتاب والسنة.

إذاً: للأمير أن يقطع شخصاً، ولكن أين يقطعه؟ يشترط في الأرض التي تقطع للفرد: أن تكون من الموات، ولا يحق له أن يقطعه ما كان من مصلحة المواطن، أو اختصاصه، أو منفعة القرية، وتقدم الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ؛ لأن السلطان إذا أراد أن ينفع إنساناً لا يكون ذلك على حساب مضرة الآخرين، ولا يملكه ملك الآخرين، إنما يقطعه مما يملك.

وهناك حديث: (موات الأرض لله، وأنتم عباد الله) ؛ فالرسول الله صلى الله عليه وسلم نبه على أن موات الأرض لله والملك كله لله، وولي الأمر يتصرف باسم الله في ملك الله مع عباد الله، فلا يظلم أحداً من أجل أحد آخر، فلا يحق لولي الأمر أن يقطع إنساناً ما يمنع إحياءه من الآخرين، ولا يحق له أن يقطع مجرى الوادي لأنه مصلحة للأمة، ولا عيناً فوارة تسقي ما حولها، ولا مرافق القرية، ولا ما فيه طريق المسلمين، وهكذا.

قاعدة: ما يمنع الفرد من إحيائه يمتنع على ولي الأمر إقطاعه.

وقد جاء في بعض الروايات: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقطع إنساناً أرضاً كانت يستخرج منها الملح الحجري، فقيل: يا رسول الله! أتدري ماذا أقطعت؟ قال: لا، قال: أقطعته ما فيه إرفاق بالمسلمين) ، فاسترجعه من صاحبه؛ لأنه لا يحق لولي الأمر أن يقطع ما فيه مصلحة أو منفعة عامة لجميع الناس فيخص بها إنساناً.

وكذلك مواضع المعادن: إذا كان هناك معدن من ذهب أو فضة أو كبريت أو ملح أو غير ذلك فهو حق للأمة، لا يجوز إقطاعه لفرد.