قوله:(فتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب) ، القربى: ذوو الرحم، وليسوا الورثة فقط، بل مثل خاله وخالته، وابن خاله وابن خالته، وعمته، وابن عمته، فهؤلاء كلهم من ذوي الرحم، فجعل لهم نصيباً، والرقاب جمع رقبة، وما المراد بالرقاب هنا؟ هناك عبدٌ قِنٌ، أي: ليس فيه شائبة حرية، ومبعَّض، أي: بعضه حر، وبعضه مملوك، وهو من أعتق بعضه، ومدبَّر، وهو الآن مملوك، ولكن حريته مدبرة بعد وفاة مالكه، ففي اللحظة التي يموت فيها سيده يملك حريته، ومُكاتب، وهو: الذي شارط سيده على مبلغ يؤديه إليه، فلو أن السيد أراد أن يبيعه لشخص آخر، فيقول له: أنا أشتري نفسي، ويكاتبه على مبلغ يتفقان عليه، وينجمه عليه تنجيماً، ويستحب له أن يسقط القسط الأخير مساعدة له، وهذا إذا علم فيه خيراً، لا أن يكون مفسداً شريراً، فيملك نفسه، ويفسد في الأرض، لكن يكاتبه إذا آنس منه الصلاح والاستقامة والقدرة على أداء مبلغ الكتابة، فإنه إذا تحرر نفع الناس، وكان صالحاً في المجتمع.
فأي نوع من أنواع الرقاب المراد هنا؟ بعضهم يقول: الرقاب الذين يحتاجون إلى المال، وهم المكاتبون؛ لأن المكاتب عليه أن يسدد بخلاف القِن ما عليه شيء، والمبعّض ما عليه شيء، والمدبَّر ينتظر موت سيده بفارغ الصبر؛ ولهذا كره تدبير العبد كما كرهت الرُّقبى.
فيعطى المكاتب ما يتحرر به، وبعضهم يقول:(وفي الرقاب) أن تشتري المملوك القن وتعتقه.
إذاً: هي دائرة في هذا الصنف من الناس، سواءً اشتريته وأعتقته أو ساعدته على وفاء دين كتابته.
والإسلام يتشوف إلى تحرير الرقاب، وقد يكون العبد قريباً لـ عمر؛ لأن العبد هو من أُخذ أسيراً في المعركة وهو يقاتل المسلمين، لا من خطف من الطريق.
فلا يسترق مسلم أبداً إلا إذا أسلم بعد أن أخذ أسيراً، وقسم على الغانمين، وبعد ذلك يسلم فهذا فضل الله.
وقال الله:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا} ، المسلمون فيهم مساكين، {وَيَتِيمًا} ، والمسلمون فيهم أيتام، ((وَأَسِيرًا)) [الإنسان:٨] ، لا يكون مسلم بيد المسلمين أسيراً؛ لأنه لا يحق لمسلم أن يأسر أخاه ولو تقاتل معه، والسلف عندما تقاتلوا لم يسترق بعضهم بعضاً، ولما قال القوم لـ علي: أقسم بيننا الأسارى، قال: لا يوجد أسارى في الإسلام، أيكم يرضى أن تكون عائشة في سهمه؟! ولهذا لا يذفف على جريحهم، ولا تسلب أموالهم؛ لأن القتال غالباً لا يكون بين طوائف المسلمين إلا بسبب اختلاف وجهة نظر دينية.