قال رحمه الله: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) رواه الخمسة، وصححه الحاكم وابن القطان، ورجح غيرهما وقفه] .
هذا الخبر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بأن من أتى زوجه وهي حائض أو جاريته وهي حائض، فليتصدق بدينار أو بنصف دينار، و (أو) هنا ليست للشك، ولكنها للتنويع، ففي حالة يتصدق بدينار، وفي حالة يتصدق بنصف دينار، أما الحالة التي يتصدق فيها بدينار فهي في فورة الحيضة، أي: في شدة جريان الدم، والأطباء يقولون: الحيضة في أول يوم ضعيفة، واليوم الثاني والثالث أشدها، وفي اليوم الرابع وما بعده تتناقص حتى تنقطع، وحالات النساء تختلف في هذا، فينظر في حالة الدم عندما أتاها زوجها: فإذا كان في شدته فعليه دينار، وإذا كان في ضعفه وقلته فعليه نصف دينار.
والحديث -كما ذكر المؤلف- هناك من صححه مرفوعاً، وهناك من جعله موقوفاً على ابن عباس من قوله، ولكن مثل هذا الحكم -وهو الأمر بالصدقة- الظاهر أنه مرفوع، فإن أموال الناس معصومة، ولا يتأتى لإنسان أن يقول فيها برأيه، وأن يأتي بحكم من عنده واجتهاده، فهو إن لم يكن مرفوعاً صناعة فهو مرفوع حكماً، ولكن يذكر الشوكاني وغيره أن الحديث فيه مقالات، وأن في سنده ما يضعفه، ومن هنا اختلفوا هل هذا الدينار أو النصف الدينار واجب أو على سبيل الندب؟ فبعض العلماء على أنه واجب لنص الحديث، وإن كان في سنده مقال، فقالوا: يتصدق بدينار إذا كان الدم شديداً، أو بنصف دينار إذا كان الدم قليلاً، وبعض العلماء يقول: ليس بواجب، ولكنه للاستحباب.
فالزوجة أحلها الله لزوجها، وعند مجيء الدم يحرم عليه وطؤها تحريماً مؤقتاً، وكونه يجامعها وهي حائض خطيئة، وكفارة تلك الخطيئة أن يتصدق، فمن أتى أهله وهي حائض لا نقول: إنه أتى محرماً كالزنى، ولكنه ارتكب مخالفة ونهياً، ولا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا الدينار والنصف الدينار للردع من ذلك، فهم في ذلك الوقت ما كل إنسان منهم يملك ديناراً ولا نصف دينار، وإن امتلكه فليس بزائد عن حاجته، وقل من يتوفر عنده الدنانير، فيكون جعل ذلك حتى لا يقع الرجال على النساء وقت الحيض، تنفيذاً لقوله سبحانه:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة:٢٢٢] .
ويقولون: المرأة في حالة الحيض أعصابها ونفسيتها مختلفة، وجسمها غير طبيعي، فإذا جامعها زوجها تتوتر أعصابها؛ لأن خلاياها وكل أجزاء جسمها تختل، وتختلف حالة الحيض عن حالة الطهر، وإذا انتهى الحيض وجاء الطهر كانت في أشد الاستعداد لذلك العمل.
فهذا الحديث فيه الزجر والمنع من تطلع الرجال إلى النساء عند المحيض، والله تعالى أعلم.