للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قانون التأمين البحري وفساده]

نشأ في عالم التجارة والقوانين الاقتصادية ما يسمى بالتأمين البحري، والتأمين البحري هو أول نوع من أنواع التأمين التي انتشرت الآن في العالم، كانت التجارة بحرية، وكان القراصنة يعتدون على السفن، وكانت أكثرها شراعية أو بخارية صغيرة، وكانت الأمواج تأتي عاتية، فلربما طغت الأمواج وأغرقت السفينة، ولربما سطا اللصوص والقراصنة عليها واجتاحوها، فإذا كانت هناك تجارة في عرض البحر، وجاءت الأمواج والرياح فأغرقت السفينة بما فيها من السلاح، المشتري اشترط التسليم في بلده، والمنتج البائع تعهد له بإرسال السلعة إلى محله، لكنها في الطريق ما بين محل الإنتاج ومحل الاستلام تلفت بآفة لا باعتداء، فإذا كان التلف باعتداء القراصنة فهذا تعد من إنسان؛ فهو ضامن؛ فعليهم أن يتبعوهم، أما إذا تلفت بأمر إلهي سماوي: رياح عاتية، أمواج شديدة؛ فأغرقت التجارة؛ فيكون الضمان على البائع؛ لأن المشتري لم يستلم شيئاً بعد، فقاموا وأنشأوا الضمان البحري، وتقوم الشركات تضمن السلعة من موضع إنتاجها أو مبيعها، وتتعهد بشحنها ومتابعة الجو والحالة الجوية، ثم نوع السفينة التي تحملها، وقبل ذلك نوع التعبئة، وتعبئة الزجاج غير تعبئة القماش غير تعبئة الخشب، فشركة التأمين تتولى كنائب عن المشتري استلام السلعة، وتعبئتها بما يناسبها، ثم النظر في السفن التي تحمل هل هي صالحة للإبحار إلى محل التسليم أم لا؟ ثم تسأل مصلحة الأرصاد: هل هناك احتمال رياح أو إثارة رياح أو أمواج؟ بقدر ما لديهم من معلومات يتبادلونها مركزاً عن مركز آخر، فإذا ما اطمأنت شركة التأمين على سلامة الوصول شحنت البضاعة، وأبحرت السفينة، ومضت في طريقها إلى محل التسليم.

إذا عملت كل هذا ووقع المحظور، وجاءت جائحة عارضة بعد كل هذه الاحتياطات؛ فإن شركة التأمين هنا تضمن، والإسلام يقول: توضع الجوائح، فنظام الاقتصاد يحمل شركات التأمين ضمان ما ضمنت به في سلامة وصوله إلى المشتري؛ لأنها تأخذ على ذلك التأمين جعلاً، فلما أخذت الجعل وتوثقت من الأحوال التي تتعلق بإبحار البضاعة، وجاء أمر عارض، فتتحملها، وكونها تتحمل أو لا تتحمل فإنها قد تتحمل في السنة صفقة أو صفقتين، بينما تحصل من المؤمنين على مئات الصفقات وتصل بسلامة ولا تغرم شيئاً، فنسبة ما تغرمه في تلك الحالات لا يتجاوز العشرة في المائة أو العشرين في المائة من مجموع ما يدخل عليها من الصفقات الأخرى، هذا لا يهمنا، ولكن نقول: إن هذه القضية بذاتها عالجها رجال الاقتصاد وأخطئوا فيها، وهنا الإسلام يقول: (إذا باع أحدكم ثمراً فاجتاحته جائحة، فلا يأخذ من ماله شيئاً) .