[اختلاف الصحابة في تجريده من ثيابه أثناء غسله عليه السلام]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري نجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا أم لا؟ الحديث) رواه أحمد وأبو داود.
يأتي بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بأنهم لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي بعدما قُبض صلى الله عليه وسلم- وأخبرتنا رضي الله تعالى عنها بأنه خُير فقال:(إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى) فالصحابة عندما أرادوا أن يغسلِّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترددوا فيما بينهم، فهم يعلمون من حالة الموتى أن يجردوا من الثياب ويغسلوا، وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم سجي ببرد حبرة -والتسجية: التغطية من الرأس إلى الظفر- والتسجية عادةً تكون بعد تجريد الميت من ثيابه العادية، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجردوه في تلك الحالة، بل سجي مع ثيابه.
والصحابة يعلمون أن من حالات الموتى عموماً أن يجردوا ويغسلوا، ومع التجريد يجعل على العورة ما يسترها، وكان الحاضرون من ذوي القرابة المعروفون بالأمانة، ... إلخ، فتهيبوا أن يجردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هل سنة نبينا كسنة بقية الموتى في التجريد والتغسيل، فنغسله كما نغسل الموتى؟ إن كان الغسل للنظافة فهو أنظف الناس، وإن كان للطهارة فهو أطهر الخلق، وإن إلخ، أم ماذا؟ هل له خصوصية؟ فترددوا؛ لأنه ليس عندهم سنة في ذلك ولم يسبق لها نظائر، ولم يسبق لهم من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يخبرهم به.
والواقع -يا إخوان- أنه وقع للصحابة رضوان الله تعالى عليهم في ذلك اليوم اختلافٌ وترددٌ في ثلاث حالات: الحالة الأولى: عندما اختلف الصحابة في تجريد الرسول من ملابسه فجاءهم الحل كما يقول الحديث: (فألقى الله على الحاضرين جميعاً النعاس، ولم يبق أحد منهم إلا وذقنه في حجره -ناموا جميعاً، سبحان الله! - ثم سمعوا من يخاطبهم من جانب البيت ولا يعلمون من هو) هل نستطيع أن نفسر هذا أم لا نستطيع؟ لا شك أنه ملكٌ أرسله الله سبحانه وتعالى يخبرهم، فسمعوا من يقول لهم ولم يعلموا من هو:(غسلوا رسول الله ولا تجردوه) كان من الممكن أن يعفى من التغسيل كما يعفى الشهداء؛ لأن الشهيد لا يغسل، وهو سيدهم وإمامهم، ولكن لما التبس الأمر جاء بالأمرين: الغسل، وعدم التجريد:(غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجردوه) فغسل صلى الله عليه وسلم من فوق القميص، والمغسل يحرك يده فوق القميص، وغسله علي، والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد، وكان العباس حاضراً ولم يشارك، وهؤلاء خاصته وآل بيته، فغسل صلوات الله وسلامه عليه من فوق القميص دون أن يجردوه، هذه واحدة.