مسألة المضبب والمطلي، تحت هذا العنوان يبحث الفقهاء -وبالأخص النووي في المجموع شرح المهذب- مسألة مهمة: إذا كان الإناء من فخار أو خشب، ولكن نرى فيه لون الذهب، فهل هذا الإناء الخشبي الذي فيه لون الذهب داخل في هذا النهي أو ليس داخلاً فيه؟ يبين النووي رحمه الله أن الأواني التي ليست ذهباً ولا فضة، ولكن فيها أثر الذهب تنقسم إلى قسمين: قسم يقال عنه: مموه.
وقسم يقال عنه: مطليٌ.
فإناء مطليٌ بذهب، وإناء مموه بذهب، ومموه: مفعل من الماء -يعني: جاء عليه ماء الذهب-، والمطلي: مثل الجدار عندما تبنيه ثم تطليه بجير أو غيره، ففرق بين المموه وبين المطلي، والفرق بينهما يظهر إذا أخذته وعرضته على النار؛ لأننا نعلم أن الذهب معدن يسيل، والنار تذيبه، وكذلك الفضة، فإذا عرضت الإناء الذي من زجاج، أو خزف (صيني) ، أو حديد، أو نحاس للنار؛ فإن أحدثت النار من هذا الذهب سائلاً، وأمكن أن تراه أو تأخذه بالعود فهذا مطليٌ؛ لأننا وجدنا جرم الذهب على جداره تذيبه النار، أو إذا أخذت سكيناً وحككت هذا الإناء، وخرج على حد السكين شيء من مادة الذهب أو الفضة فهذا مطلي، أما إذا عرضته للنار أو حككته بسكين ولم يخرج منه شيء فهذا مموه، وقال: إن المطلي بالذهب حكمه حكم إناء الذهب سواء؛ لأنك استعملت الذهب الذي طلي به هذا الإناء، أما المموه فليس فيه شيء، بل مجرد اللون.
وجاء في أخبار المسجد النبوي الشريف أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه لما ولي الإمارة لبني أمية في المدينة؛ وجد في جدار المسجد كتابة بالذهب، وكان الخلفاء من بني أمية من ولي الخلافة يأتي بخطاب يسمى: خطاب الملك، أو العرش، أو سياسة الخليفة، فيكتبه على جدار المسجد النبوي؛ فوجد تلك الخطوط مكتوبة بالذهب، فأراد أن يمحوها فجمع العلماء فقالوا له: انظر أهو مطلي بذهبٍ أو مموه؟ إن كنت ستحصل على مقدار من الذهب من هذا الذي تمحوه فامحهُ، وإن كنت لن تحصل على شيء، ولا يوجد فيه معدن الذهب فاتركه؛ لأنك ستفسده بدون فائدة، وليس فيه معدن الذهب، فجرب فلم يجد شيئاً فتركه.
ومن هنا قالوا: كل ما كان مطلياً بذهب فحكمه حكم الذهب، وما كان مموهاًً فلا، والآن كثيراً جداً من الأواني (الصيني) والفناجين والكاسات نجد على حافة فنجان الشاي منها خطاً أصفر يقال له ماء الذهب، فما كان منه مموهاً فليس داخلاً في هذا الباب، وما كان زيادة على ذلك كأن يكون مطلياً، ويوجد جرم من الذهب فيه، فهو داخل في هذا النهي والتحريم.
وبقي عندنا مسألة المضبب، وستأتي قريباً عند حديث تضبيب قدح النبي صلى الله عليه وسلم.