للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نسخ القرآن بالحديث]

البعض يقول: إن الحديث مهما كان فرداً من الآحاد فهو لم يتحقق قطعاً أنه متواتر، ولا ينسخ القرآن بالآحاد وهذا متفق عليه، وهل ينسخ القرآن بالمتواتر؟ وقد بحث هذا والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرته وقال: من نظر الخلاف الموجود عند العلماء فإن الصحيح قول من يقول: المتواتر هو سنة -فعلية، أو قولية- جاءت عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، فهي وحي، كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] .

وإذا كان القرآن وحي وهذا المتواتر وحي فإن الوحي ينسخ بعضه بعضاً، وقال قوم: مهما كان فإن كان السنة أنزل رتبةً؛ لأن القرآن قطعي الثبوت، والسنة ظنية الثبوت ما لم تكن متواترة محققة، فلا ينسخ قرآن بسنة ولو متواترة، والآخرون قالوا: النسخ جائز، فالشيخ رحمه الله قال في ذلك: التحقيق في ذلك أنه جائز شرعاً ولم يقع فعلاً.

يقول: من حيث النظر الأصولي والتشريعي هو جائز.

أي: من حيث العقل، والقواعد العلمية، يجوز أن ينسخ الحديث المتواتر آية من كتاب الله، ولكنه لم يقع بالفعل، فلم يقع نسخ في كتاب الله بحديث متواتر.

إذاً: عملياً النسخ بالمتواتر لم يقع وأصبحت المسألة نظرية علمية، وقد أجمعوا على أن الحديث النبوي ولو كان آحاداً فإنه يخصص عموم الكتاب، كما جاء في قوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:٣] ، فجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لنا ميتتان ودمان ... ) الحديث، فخصص من عموم الميتة: الجراد والحوت، ومن عموم الدم: الكبد والطحال، فهذا تخصيص لعموم آية في كتاب الله بالحديث الآحاد.

وكذلك قد تضيف السنة تشريعاً كاملاً مستقلاً إلى كتاب الله كما جاء في قوله سبحانه: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:٢٣] ، هذا نص في تحريم الجمع بين الأختين في النكاح، فجاءت السنة وألحقت بهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا بنت أخيها ولا تنكح المرأة على خالتها ولا على بنت أختها) ، فهذه زيادة على تحريم الجمع بين الأختين، وهذا مما تلقي بالقبول والإجماع أنه لا يجوز.

إذاً: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) أي: أن الوصية كانت مشروعةً لمن كانوا ورثة قبل مجيء آيات المواريث، وفي هذا الحديث بيان على أنه لا وصية لمن دخل في نطاق الورثة، وقد نبه أيضاً والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه وقال: القرآن في آيات الوصية نسخ بقرآن وهو ما جاء في آيات الفرائض، وهذا الحديث إنما هو دال على موقع النسخ وليس هو الناسخ، فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه) ، أي: أعطاه في آيات المواريث.

إذاً: أعطى أصحاب الوصية في المواريث حقهم فلا وصية لهم، والحديث دليل على موضع النسخ والناسخ هو آيات المواريث ضمناً، فقال رحمة الله تعالى علينا وعليه: إن الحديث لم ينسخ القرآن، ولكنه دل على موضع الناسخ من القرآن للقرآن.