[موقف المأموم من الإمام]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق) ، رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان] .
انتهى المؤلف رحمه الله من أحكام الإمام، ثم جاء بما يتعلق بالمأمومين، وبين موقفهم من الإمام، وأين يكون، سواء أكانوا أفراداً أم جماعات.
ويتفق العلماء على قضية، وهي أن المأموم إما أن يكون واحداً، وإما أن يكونا اثنين، وإما أن يكونوا ثلاثة فأكثر.
وهذا تقسيم عقلي، فإذا كان المأموم واحداً فلا يقال: (رصّوا) ، إلا أنه بالنسبة لإمامه كيف يكون موقفه من الإمام؟ فمن الجهة -والجهات أربع: يمين، ويسار، وأمام، وخلف- اتفقوا على أنه لا تصح صلاة المنفرد أمام الإمام، ولا جماعة أمام الإمام لغير عذر، وكذلك لا تصح صلاة المنفرد عن يسار الإمام، فإذا كان الأمر كذلك فالأمام واليسار لا تصح الصلاة فيه، وبقي الخلف واليمين.
قالوا: لا يصف الواحد خلف الإمام كما لو كان صفاً كاملاً، وإنما يقف عن يمين الإمام.
فالمنفرد موقفه عن يمين الإمام، وقد جاءت به السنة، كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه -وسيأتي- قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل يصلي، فقمت فتوضأت وقمت عن يساره، فأخذ بأذني وفتلني من وراء ظهره، وأوقفني عن يمينه) ، فهذا موقف المأموم المنفرد.
وبقي التدقيق في موقفه عن اليمين، فقد يكون واقفاً عن اليمين لكن على بعد ذراع، أو يكون عن اليمين وهو متقدم شبراً، أو يكون عن اليمين وهو متأخر شبراً، فأين يكون تماماً؟ منهم من قال: يقف محاذياً له، كما لو كان اثنان في الصف، والآخرون قالوا: لا يستويان.
فينبغي على المنفرد أن يكون متأخراً عن الإمام بالحد الذي لو رآه الرائي لعرف المتقدم من المتأخر، أي: لو تأخر عنه قدر أصابع يد كان ذلك كافياً، ولا يكون محاذياً محاذاة كاملة كما لو كانوا جماعة في صف واحد، بل يكون متأخراً قليلاً.
فهذا موقف الواحد.
فإذا كانا اثنين فالجمهور على موقفهما خلف الإمام وراء ظهره، وهو أمامهما، ويروى عن ابن مسعود أو عن غيره أنهما إذا كانا اثنين فواحد يقف عن يمينه وواحد يقف عن يساره مع التأخر القليل، ولكن سيأتي حديث جابر وجبار حين كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، قال جابر: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي) ، وجاء في الحديث: (ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ، ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدنا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه) .
فهذان اثنان، وموقفهما خلف الإمام.
وعلى هذا فإذا كان المأمومون اثنين فأكثر فموقفهم عند الجمهور خلف الإمام.