الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: يقول المصنف رحمه الله: [وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) الحديث أخرجه السبعة] .
هذا الحديث تكملته:(وليؤمكم أقرؤكم) ولنبين رأي من يقول: إن هذه صيغة أمر: (وليؤذن لكم أحدكم) ، واعتبر الأذان واجباً من الواجبات، وتقدمت معنا هذه المسألة: هل الأذان حق للإعلام بدخول الوقت أو حق للصلاة؟ على القول بأنه إعلامٌ لدخول الوقت، فإذا كان القوم مجتمعين أو كانوا قد سمعوا أذاناً من مسجد آخر، فإنه يكفيهم؛ لأنهم قد علموا بدخول الوقت، وإذا كان الإعلام للصلاة، فإنهم يؤذنون للصلاة، ولو سمعوا أذان مسجد آخر.
وأعتقد أن الراجح كون الأذان للصلاة، وليس للوقت، أو هو لهما معاً، وكونه للصلاة أرجح، لقضية تعريس النبي صلى الله عليه وسلم وانتباههم بعد ارتفاع الشمس، وفي الرواية الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذن، وكونه أذن بعد خروج الوقت يرجح أن ذلك للصلاة، وإن كانوا يقولون: الإقامة للصلاة آكد من الأذان، فهنا قال:(وليؤذن لكم أحدكم) ، صيغة أمر تقتضي وجوب الأذان، وهذا الأمر لهم كان حين عودتهم إلى ديارهم وهم في السفر، وكذلك الحال في الحضر، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا غزا غزوة ومر بقوم ولم يعلم عن حالهم: أهم مسلمون أو من المشركين؛ فإنه ينتظر إلى وقت الصلاة، فإذا سمع أذاناً علم أنهم مسلمون، ولم يغر عليهم، وكان غالباً ما ينشئ الإغارة بعد طلوع الفجر أول النهار، فكان ينتظر أن يسمع منهم أذان الفجر، فإن هم أذنوا علم أنهم مسلمون، فجنب عنهم، وإن لم يؤذنوا علم أنهم غير مسلمين؛ لأنهم لم يقيموا شعار الإسلام.
قال مالك رحمه الله: إذا ترك أهل قرية الأذان قوتلوا عليه، حتى ولو كنا نعلم أنهم مسلمون، ويصلون، ويصومون، لكنهم تكاسلوا عن الأذان للصلوات واكتفوا بالإقامة، فإنهم يقاتلون حتى يؤذنوا؛ لأن الأذان أصبح شعار من شعارات الإسلام، كما يقال عن التراويح: إنها سنة رمضان، وشعار المسلمين في رمضان، فمن عطلها في المساجد فهو مخطئ وعلى أهل القرية إحياء قيام التراويح في المساجد، وإن كانت في البيت هي أفضل منها في المسجد، لكن إقامتها في المساجد شعار من شعارات الإسلام؛ فينبغي أن يحافظ عليه، ولا يجوز تعطيلها، والله تعالى أعظم.