قوله رضي الله تعالى عنه (يجمع بين الرجلين في ثوب واحد) يقول بعض العلماء: هل يبقى الثوب على ما هو عليه، ويلف الرجلان بهذا الثوب معاً كأنهما شخص واحد؟ أو أن الثوب الواحد يقسم قسمين ويعطى لكل واحد منهما قسم؟ وهذا يدل على قلة وجود ما يكفن به القتلى عند العدد الكثير، والذين قالوا: إنما يشق الثوب قسمين، قالوا: لئلا يجمع بين رجلين بجسد متلاصق في ثوب واحد، ولكن هذا غير وارد؛ لأن الشهداء لا يغسلون ولا يجردون من ثيابهم، بل يلفون في ثيابهم التي كانت عليهم، ولكن يبعد عنهم ما كان فيه من الجلود أو الحديد، فإذا كان محتزماً بمنطقة جلد، أو ترس فيه جلد، أو درقة فيها جلد، أو قميص فيه شيء من الجلود فهذا يبعد عنه، وكذلك إذا كان هناك شيء من الحديد كالدرع مثلاً أو الخوذة على رأسه أو شيءٌ في يده، فهذه تنزع عنه ويلف في أثوابه التي هي عليه، فيكون الكفن زيادة على ثيابه التي هي عليه.
وتكون مهمة هذا الثوب هو تغطية أطراف الميت أو الشهيد من رأسه إلى قدميه، حتى قالوا: لو أن الثوب الموجود لشخصٍ واحد، وكل واحدٍ له ثوب لكنه قصير لا يبلغ ما بين الرأس إلى القدم، قالوا: يقدم جانب الرأس فيغطى، وبقية الجسم من جهة القدمين يوضع عليه من نبات الإذخر أو نحوه ويغطى في قبره، ولا تترك الجثة مكشوفة.
فقول جابر رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد) هذا الحديث يسوقه المؤلف ليبين بأن أقل الكفن هو ثوب واحد، وإن تعذر الثوب فبعض الثوب، وهذا عند الضرورة، وكما تقدم أن الضرورة لا يقاس عليها، كما لو أن إنساناً كان عليه غسل جنابة وعنده ماء لا يكفيه للغسل فعليه أن يتوضأ به، ثم يتيمم بالباقي، وكذلك إذا كان لا يملك ثياباً تستره من السرة إلى الركبة يغطي به السوءة، وكذلك الكفن يكون بقدر المستطاع.
إذاً: يجمع بين الرجلين في ثوبٍ واحد، إما على معنى: يجمعهما في لفافة واحدة، ولا محظور في ذلك؛ لأن ثياب كل منهما تحول بينه وبين ملاصقة جسم الآخر، وإما أن يشق هذا الثوب الموجود ويعطى لكل واحد منهما ما يجزئ عنده، إن كان يكفي طول الجسم فالحمد الله، وإن كان لم يكف عني بجانب الرأس وستر بقية الجسم بالنبات أو بنحوه