ننتقل إلى القسم الثاني من الحديث:(ولا يَؤُمَّنَ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) .
فكما أنه لا يؤم القوم أجهلهم، ولا عديم المعرفة بالقراءة وفيهم من هو أولى منه، كذلك لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه.
والسلطان كلمة عامة، وهي في كل شيءٍ بحسبه، فهناك السلطان الأعظم -كما يقولون-، وهو ولي أمر المسلمين، وحاكم الدولة، أو حاكم الأمة، وهناك أمير المقاطعة، وهو سلطانها.
وحاكم القرية هو سلطانها، فكل من كانت له ولاية على جماعة فهو سلطانها، قالوا: ويتبع ذلك إمام المسجد الراتب ورب البيت؛ لأنه سلطان البيت، كما في الحديث:(والرجل راع في أهل بيته) .
وهنا قوله:(لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) فيه احترام السلطة، واحترام الحق المعنوي؛ لأن السلطنة أو السلطان أمر معنوي، فقد يختار ولي أمر المسلمين شخصاً اليوم، ثم يُتوفى ويأتي غيره، أو يعزله ويأتي بغيره، فهو أمر نسبي لشخص لأمر معنوي، فيُحترم هذ الحق؛ لأن من حقه في سلطانه أن يأمر وينهى، وأن يكون المقدم على غيره؛ لأن رعيته في سلطنته لا تتقدم عليه، ولا تفتئت عليه في أوامره، ولا في تعليماته، وكذلك إمامة الصلاة ولاية، فلا ينبغي أن يتقدم شخص أجنبي على شخص في سلطانه يؤمه، حتى إنهم قالوا: لو كان هذا السلطان المطلق على الأمة والدولة، أو السلطان المحدود السلطة في إقليم أو قرية، بالنسبة لمن معه أقلهم قراءة، فمادام يصحح الصلاة، ولا يلحن لحناً يخل بالمعنى، ولا يخطئ في أدائها، -أي: يحسن الصلاة- فيكون حينئذٍ مقدماً على من هو أفضل منه قراءة ونسباً وسبقاً للإسلام.
إلى آخره.
وغاية ما فيه أنها: صلاة الفاضل خلف المفضول، وصلاة الفاضل خلف المفضول صحيحة بإجماع المسلمين، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف، واختلف في أنه صلى خلف أبي بكر أو لم يصل خلفه، ويكفينا أنه صلى خلف ابن عوف.
فصلاة الفاضل خلف المفضول صحيحة، وهنا لو كان صاحب السلطان أقل رتبة في مراتب الإمامة، وخلفه أو معه من هو أعلى رتبة في مقام الإمامة فلا يحق له أن يتقدم على صاحب السلطان، ولكن إن أذن له السلطان فلا بأس، ويكون قد تنازل عن حقه في سلطانه، وسمح لغيره أن يتقدم بالإمامة.
فقوله:(لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) كلمة (سلطان) هنا عامة، سواءٌ أكان السلطان العام كولي أمر المسلمين عموماً ملكاً أو رئيساً أو غير ذلك، أم كان في مقاطعة أو في إقليم أو في قرية أو هجرة أو نحو ذلك.