للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التجرد من الثياب والاغتسال عند الإهلال]

قال المؤلف رحمه الله: [وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: تجرد لإهلاله واغتسل) ، رواه الترمذي وحسنه] .

التجرد: هو الخروج من هذا اللباس العادي، وإذا ما تجرد فلابد أن يستتر فيلبس الإزار والرداء بعد التجرد، وقبل اللبس يغتسل، ولذا اتفق الجميع على أن من شروط الإحرام: التجرد، ولكنه ليس شرط صحة، فإذا أهل ولم يتجرد صح إهلاله وانعقد نسكه، ثم يجب عليه أن ينزع ما هو لابس من ثيابه، فإن لم يفعل فتلزمه فدية.

ويصح أن يتجرد الإنسان قبل الميقات أو في الميقات، أما ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم فهو أنه تجرد في بيته في المدينة واغتسل ثم خرج إلى ذي الحليفة بإزاره وردائه، وطيبته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.

إذاً: السنة والواجب على المحرم أن يتجرد من ثيابه، وإذا نظرنا إلى هذا العمل نجده من غرائب حكمة التشريع فحينما تأتي وفود المسلمين من أقطار شتى ويجتمعون في المدينة، فتجد كل جنس في كل قطر له لباس خاص به يميزه عن غيره، ولو رأيته بلباسه لعرفت من أي الأجناس أو من أي الأقطار هو، فإذا ما أرادوا الحج فلا يجتازون الميقات إلا وقد خرجوا من تلك الألبسة وتوحدوا بلباس واحد إزار ورداء، وهناك تكون قد ذهبت الفوارق، وألغيت العادات، وظهر المسلمون أمة واحدة في شكل واحد، توحدت أشكالهم كما توحد شعارهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

وفي هذا التجرد خروج من مظاهر الدنيا، سواءً كانت مظاهر غنى أو فقر، مظاهر إقليمية أو جنسية أو غير ذلك، والإسلام في ذاته لا يعترف بشيء من هذا إلا للتنظيم فقط: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:١٣] ، للتعارف والتنظيم فقط، والحقيقة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] .

فهنا حينما يريد الحاج أو المعتمر أن يهل فإن عليه قبل ذلك أن يتجرد، فإذا تجرد اغتسل، وكما أسلفنا فإن التجرد شرط للإحرام، ولكن إذا لم يفعله جبر بدم، وسيأتي أن البعض قد يعذر في تجرده من بعض ما يحتاج إليه من لباس، فيترخص ويدفع قيمة ذلك الترخص.

ويسن كذلك الاغتسال، وقد سن الاغتسال للمحرم في عدة مواطن، وكلها -كما أسلفنا- سنة حسب ما تيسر له، وهي: عند إرادته الإحرام بعد التجرد، وعند دخول مكة، وعند الوقوف بعرفات، فقد اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المواطن، فإذا لم يتيسر له أن يغتسل توضأ وأجزأه ذلك، وإن كان معذوراً في استعمال الماء أو لم يجد الماء تيمم.

ثم إن أهل دون أن يغتسل ودون أن يتوضأ ودون أن يتيمم فإن إهلاله صحيح؛ بل إن المرأة الحائض أو النفساء عند الإهلال تغتسل للإهلال وليس للحيضة، فإذا جاءتها الحيضة مثلاً في الصباح فتهل في المساء ولا زالت بحيضتها، والسنة أن تغتسل لا لحيضتها ولكن تطهراً واستقبالاً لهذا النسك، كما جاء (أن أسماء بنت عميس -زوج الصديق رضي الله تعالى عنهما- نفست -أي: ولدت- في ذي الحليفة ليلة مبيته صلى الله عليه وسلم بها فجاء أبو بكر وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: مرها فلتغتسل) ، وبين له أنها تفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر من نفاسها، وكذلك مثلها صاحبة الحيضة.

إذاً: الإهلال ينعقد ويصح ولو لم يغتسل، ولو لم يتوضأ، ولو لم يتيمم، ولكن الغسل هو السنة، وكذلك مس الطيب في البدن لا في الثياب، على ما سيأتي إن شاء الله.

إذاً: على المحرم أن يتجرد من ثيابه، وأن يغتسل لإهلاله، وأن يلبس إزاراً ورداءً أو ما ينوب عنهما، كما سيأتي إن شاء الله.