والحمالة تكون بأن يحمِّل المرء ذمته حقوقاً لغيره، ليس له فيها شيء -كما أسلفنا- كأن يجد طرفين متنازعين على مال، ويقوم النزاع على تحصيل هذا المال، وكلٌ يدعي المال لنفسه، وليس هناك طريق لفض هذا النزاع إلا الصلح؛ لأنه ليست هناك بينة، ولا طريقة يعتمد عليها لإحقاق الحق لصاحبه، فيأتي هذا الشخص ويتدخل بينهما بالصلح فيتحمل المال المتنازع عليه بينهما في ذمته، ويصطلحان على ذلك، فهذا الشخص المصلح ليس عنده مال يدفع منه تلك الحمالة، أو أن عنده مالاً ولكن لا يريد أن يرهق نفسه، ففي هذه الحالة يجوز له أن يسأل الناس ليجمع مقدار الحمالة التي تحملها.
فهذا الشخص نحن نعرف أنه غني بأملاكه، وبكسبه، وبمزروعاته، وبعمائره، فيأتي ويقول: أنا يا جماعة الخير! تحملت بين فلان وفلان مبلغ كذا، أريد أن تجمعوا لي منه، فحينئذٍ يجوز لكل إنسان يستطيع أن يدفع شيئاً أن يقدم إليه مساعدةً في حمالته.
ومعلوم أنه لن يعلم أحد مقدار ما جمع بالنسبة للحمالة، فقد تكون الحمالة مائة ألف وهو يسأل، ثم لا يعلم أحد كم جمع في هذا المجلس، ولا في ذاك المجلس؟ ولا كم حصل عليه؟ فتكون حاجته للمسألة أمر بينه وبين الله.
فإذا جمع بالمسألة التي حلت له بموجب الحمالة مقدار الحمالة فليمسك، ولا يحق له أن يأخذ شيئاً زائداً عن حمالته؛ لأن الناس لا يعطونه لشخصه، إذ هو غني في الأصل، ولا يحق له أن يأخذ لشخصه شيئاً، إنما أخذ من أجل الحمالة، ومن أجل الإصلاح، وقد حصل على مقدار الحمالة فانقطع سبب السؤال الذي أحل له المسألة.
وهنا كما قالوا: يُعطى ولو كان غنياً، من أجل مساعدة أهل المروءة وأهل النجدة، وأهل المعروف، حتى لا يتكاسلوا ولا يتراجعوا عن التدخل في الإصلاح بين الناس، قال تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:١١٤] ، ولهذا حل له أن يطلب ويسأل ويصرح، سواء أخذ من بيت مال المسلمين من الزكاة، أو أخذ من الأفراد، فكل ذلك جائز له، فإذا حصل على مقدار الحمالة فليمسك عن السؤال.