قال المصنف رحمه الله: [وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسألة كدٌ يكدُ بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمرٍ لابد منه) رواه الترمذي وصححه] .
هذا كالحديث المتقدم ما عدا هذا الاستثناء:(المسألةُ كدٌ) ، والكد مثل الخمشة، فهو رضة أو حفرة في الوجه.
فتجوز المسألة للسلطان، وسؤال السلطان ليس داخلاً في هذا، ولماذا السلطان لا يكون داخلاً في هذا؟ لأنك إن سألت السلطان، والحالُ أن البلد مسلم، فالسلطان تحت يده بيت مال المسلمين، ولكل فردٍ حقٌ فيه، فإذا أعطاك السلطان، فإنما يعطيك من حقك الذي في بيت مال المسلمين، فلا يكون في ذلك كدٌ ولا خدوشٌ؛ لأنك لم تسأله ماله الخاص، كما تسأل عامة الناس فتكون ممن سأل الناس أموالهم تكثراً.
أما إذا سألهم غير أموالهم، فإنسان عنده مثلاً وقف خيري على الفقراء أو على الغرباء، أو على الطلاب، وجاء واحد من هؤلاء المنطبق عليهم الوصف الموقوف عليهم، وجاء للناظر وقال: أعطني من حقي، أنا لي حق في هذا الوقف، فهو لم يسأل الناظر ماله، إنما سأله ما تحت يده، وللسائلِ حقٌ فيه؛ فليس في ذلك شيء، وكذلك سؤال الإنسان للسلطان؛ لأن السلطان يعطي الجميع، والسلطان تحت يده بيت مال المسلمين، فهو يعطي منه، وله أن ينظر من يعطي ومن لا يعطي، ومن يعطي الكثير ومن يعطي القليل على حسب ما يترجح عنده من مصلحة الشخص السائل.
ومن باب الطرافة: أن أعرابياً جاء إلى معاوية وقال: أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أعطيتني، فقال: هل يوجد رحم بيني وبينك وأنا قاطعها؟! قال: نعم، قال: ذكرني بهذه الرحم! قال: أنا وأنت أولاد آدم؟ قال: والله! أنت صادق، أتسألني بالرحم الذي تتصل إلى آدم؟ قال: نعم، قال: والله! هذه رحم يجب أن توصل، ولك حق، وكتب إليه كتاباً لعامله على بيت المال: ادفع إليه درهماً، وصك الكتاب، وقال له: اذهب بالكتاب إلى عامل بيت المال، فذهب الرجل ومعه كتاب من أمير المؤمنين معاوية، ففض الكتاب، فدخل وأعطاه درهماً! قال: ما هذا؟ قال: الذي كتب لك معاوية، قال: ألا تستحي؟! معاوية يكتب بدرهم؟! قال: هذا كتابه الذي أعطاك، خذه وارجع له، فرجع إليه، وقال: ما هذا يا معاوية؟! تكلف نفسك، وتكتب كتاباً إلى عاملك، وترسلني على درهم! قال: يا أخا العرب: والله! لو وصلت الرحم التي تصل إليَّ بها بمثل هذا ما بقي في بيت المال درهم! وهذا صحيح.