[أهمية معرفة المعايير والموازين وتوحيدها بين المسلمين]
قوله: (وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) .
تقدم معنا أن الفضة لها نصاب، ونصابها خمس أواق، والأواقي قدرها مائتا درهم، وليس المقصود الدرهم المغربي، فتلك عملة خاصة بالمغرب، كم تكون المائتا درهم؟ ما أحد سأل ولا أحد فتش! نحن -يا إخوان- في هذه الآونة الأخيرة تغيّرت كثير من اعتبارات الشرع عندنا، وخاصة المكاييل والموازين، وكل أمة لها معاييرها الخاصة، وأذكر أن مسمى الرطل كان في مصر يبلغ اثنتي عشرة أوقية، وكذلك في إسطنبول، والرطل في القدس أقتان، مع أن الأقة الواحدة تساوي اثنين كيلوا، والرطل في بغداد قريب من الرطل في مصر، فتختلف الموازين على حسب اصطلاح الأمة؛ لأن لكل أمة أن تأخذ لنفسها وتضع لنفسها معاييرها الخاصة، نحن نسمع الآن: (متر، وياردة، وإنش، وقدم، وفوت) .
فالمقاييس الرسمية المتعامل بها اليوم هي المتر والياردة والإنش، فهذه مقاييس، وعند المساحات (فدان وهكتار، وقيراط) وكذلك المكاييل: (مد، وصاع، وكيلو، وربع، وملوا، وقدح) ، فهذه مكاييل وموازين ومقاييس قد تصطلح كل أمة على ما يصلح عندها.
وقد قال العز بن عبد السلام: على الأمة أن تطيع ولي أمرها في أربعة: أولاً: نوع المكيال، ونوع الميزان الذي يأمر بالتعامل به، فإذا قال: تعاملوا بالأقة، أو قال: تعاملوا بالرطل، أو قال: تعاملوا بهذه الصنجة التي سأصنعها ثم صنع صنجة وسماها، فيجب أن يكون الوزن بها وبأجزائها، ولا يحق لإنسان أن يصنع صنجةً أخرى يزن بها للناس.
ووحدة المكاييل والموازين ضرورية في العالم؛ لئلا يأكل الناس أموال بعضهم بعضاً، فيأتي من يقول لك: هذا وزن، ويأتي آخر يقول لك: هذه أوزن هذه أنقص وأنا لا أدري؟ لا.
ولذا الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه من السنة وحدة المكيال والميزان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال المدينة) وقال: (اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم) ، والصاع والمد مكيال، وجعل مكة وحدة الموازين فقال: (الميزان ميزان مكة) .
فالعالم الإسلامي عليه بحسب هذا الحديث أن يوحد مكاييله على مكاييل المدينة، وموازينه على موازين مكة، مثل وحدة النقد، فهل يمكن أن يكون في بلد واحد نقدان مختلفان لدولة واحدة؟ لا؛ بل لكل دولة نقد مستقل، فكذلك لكل دولة مكيال وميزان مستقل.
ثم قال العز بن عبد السلام: في إعلان الحرب على عدو محارب، وعقد الهدنة مع مقاتل، فإذا أعلن ولي أمر المسلمين حرباً على عدوه وجب على الأمة أن تقوم معه، وإذا أعلن هدنة مع أمة وجب على المسلمين أن يلتزموا بهذه الهدنة.
فالمكيال والميزان من الأمور الاجتماعية التي يجب توحيدها.
وكان الدرهم أولاً ليس إسلامياً بل كان رومياً.
وكذلك المثقال ما كان موجوداً على عهده صلى الله عليه وسلم، ولكن المثقال لم يختلف وزنه في جاهلية ولا إسلام، أما الدرهم فكان يتفاوت، وجاء في صدر الإسلام التعامل بالدراهم الأجنبية، وفي الدولة الأموية كان الدرهم الصغير والدرهم الكبير، فجمع بعض ولاة بني أمية درهماً صغيراً والآخر كبيراً، ثم قسمهما نصفين، واعتبر الدرهم نصف الكبير ونصف الصغير، وتوحّد الدرهم، وصارت عشرة دراهم تزن سبعة مثاقيل.
والدرهم وحدة ميزان ووحدة نقد، تقول: الأوقية كذا ليرة، ونحن نقول: الأوقية أربعون درهماً، والدينار يصرف بعشرة دراهم، وكان صرفه في زمن عمر ما بين ثمانية إلى اثني عشر درهماً، واستقر الأمر على أن الدينار يصرف بعشرة دراهم، وعشرون ديناراً هي نصاب الذهب، ومائتا درهم هي نصاب الفضة.
يبقى أن الدينار يعادل من الدراهم عشرة؛ لأن عشرين ديناراً تعادل مائتي درهم، إذاً: الدينار وحدة وزن ووحدة نقد، ولهذا ربما نجد في بعض كتب الفقه من يقول: كذا درهماً وزناً، كذا درهماً عدّاً، فإذا قال لك: وزناً، فالمعنى أنه موزون وزنه كذا، وإذا قال لك: عداً، فالمعنى أنه وحدة نقدية يعد كذا درهماً.