[الوضوء عبادة شرعية]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقاً.
] .
بعدما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أحكام المياه، ثم أحكام الآنية التي نحفظ فيها المياه، ثم جاءنا ببيان أنواع النجاسات، وما ينبغي إزالته عن الثوب والبدن والمكان من أجل الصلاة انتقل بعد ذلك إلى الوضوء.
والوضوء أتى به قبل أن يدخل في كتاب الصلاة؛ لأنه جزء من الطهارة كما سيأتي بعد ذلك بتتمة مباحث الطهارة من الغسل وموجباته والتيمم.
والوضوء شرط بإجماع المسلمين لصحة الصلاة، ولا تصح الصلاة بغير وضوء، كما بيّن صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (لا يقبل الله صلاة من أحدث بغير وضوء) .
والوضوء يأتي بالضم (وُضوء) ، وبالفتح (وَضوء) ، قيل: بالضم هو المصدر، وبالفتح هو الماء الذي يتوضأ به، وقيل بالعكس، مثل: (سَحور) و (سُحور) ، وبعضهم يقول: كل منهما ينوب مناب الآخر، ويقولون: الأصل في الوضوء في اللغة أنه مشتق من الوضاءة، والوضاءة: بهاء الوجه ونضرته، والأصل فيه النظافة، ولكن في الشرع هل الوضوء نظافة أم الوضوء عبادة؟ فكونه عبادة يتوقف على النية، أي: لا يصح الوضوء إلا بنية، وكونه نظافة فالنظافة لا تحتاج إلى نية، كما أن إزالة النجاسات لا تتوقف على النية، ولكن تنتهي بإزالتها.
والذي يدل على أن الوضوء عبادة قياس الفقهاء، والنص القرآني الكريم: أما قياس الفقهاء فيقولون -كما قال ابن رشد في بداية المجتهد-: هذا العمل تعبدي.
أي: لا يدرك السر ولا الحكمة في تشريعه؛ لأنه -كما يقال-: (مُوجِبُهُ في غير مُوجَبِهِ) ، وهذه قاعدة فقهية عندهم، بمعنى أن الذي أوجب الوضوء ليس داخلاً في أعضاء الوضوء، بمعنى أن الإنسان تخرج منه الريح، فيجب عليه الوضوء بسبب خروج الريح، فإذا أراد أن يتوضأ فإن مخرج الريح ليس داخلاً في أعضاء الوضوء، فلو كان معقول المعنى لكان سببه يدخل في فعله، فلما وجدنا الأمر كذلك حكمنا بأنه أمر تعبدي.
الشيء الثاني: ما جاء في الحديث النبوي الشريف مما يؤكد معنى الوضاءة ومعنى التعبد، وأن الوضوء وضاءة حساً ومعنى، أي: نظافة ظاهراً وباطناً، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا توضأ فمضمض واستنثر خرجت ذنوبه من فِيه ومن أنفه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل وجهه خرجت ذنوبه من وجهه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ... ) إلخ، وهكذا اليدان والقدمان.
وأمور النظافة ليست لها علاقة بتكفير الذنوب.
كما أنه قد ينفرد الوضوء عن النظافة، فلو أن إنساناً دخل الحمام واتخذ كل وسائل النظافة، وعندما أراد أن يتنشف مس فرجه، فإن عليه أن يتوضأ، مع أنه في غاية ما يكون من النظافة والوضاءة حساً.
فالوضوء عبادة، وعليه فتشترط فيه النية، وكذلك الغسل، وإن كان عند الأحناف مناقشة في ذلك، حيث يشترطون النية في التيمم ولا يشترطونها في الوضوء والغسل، ويقولون في التيمم: إنه أمر تعبدي، فلا ندري الكنه ولا الغرض من كون الإنسان يعفّر وجهه ويديه بالتراب، فإذا عقلنا الحكمة في الوضوء وفي الغسل لم نعقل حكمة تعفير الوجه بالتراب، فيشترطون النية في التيمم، ولا يشترطونها في الغسل.
فالوضوء أمر تبعدي، وهو عبادة.