يبحث العلماء المتقدمون فيما يعفى عنه من النجاسات، ولم يعف عن شيء إلا عن قليل الدم.
وقليل الدم وكثيره اختلف العلماء في تقديره، فمنهم من يقول: قليل الدم هو ما كان في حجم الدرهم البغلي.
والدرهم البغلي كان درهماً نقدياً، صكه رجل يهودي اسمه:(البغل) ، وكان في الدولة العباسية، وكان يصك الدراهم للخلفاء العباسيين، خاصة للمناسبات.
وبعضهم يقول: هو بقدر ما يرى في ذراع أو في ساق الحمار أو البغل من الداخل على هيئة دائرة سوداء تعادل الريال السعودي تقريباً، وهناك من أبعد في ذلك وقال: كربع الثوب ولكن هذه مجازفة كما يقول أصحابه.
وجاء في الموطأ عند مالك رحمه الله في باب الرعاف أن ابن عمر رضي الله عنهما كان ربما رعف في الصلاة بدم قليل، فيفتله بين أصابعه ويمضي في صلاته، وربما فقأ البثرة في وجهه -أي حب الشباب- فتخرج القطرة والقطرتان، فيمسحها بأصابعه ولا يغسلها.
وجاء عن سعيد بن المسيب أنه رعف في الصلاة فاستلقى على ظهره لكثرته، ثم خرج فغسل عنه الدم.
وجمهور علماء المسلمين يقولون: إن الدم نجس، ويعفى عن قليله، ولكن لماذا لا يعفى عن قليل النجاسات الأخرى؟! قالوا: لأن بقية النجاسات الأخرى يمكن الاحتراز عنها، وقد جاء في حديث صاحبي القبرين:(كان لا يتنزه من البول) ، أما الدم فقالوا: الإنسان عبارة عن قربة دم، وفي كل موضع من جسمه يوجد دم، فمن الصعب أن يتحفظ الإنسان من دمه، وقاسوا عليه دم غيره.
ومجموع هذه الأحاديث تابع للتدليل على نجاسة الدم، وبعد أن نمر عليها سنعود إلى قول من يقول بطهارة الدم بعد أربعة عشر قرناً، ونبين وجهة نظره والرد عليه.
قوله:[وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما] هي من أقارب بيت النبوة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض.
وقولها:(دم الحيض يصيب الثوب) مثل الثوب الفراش، وكل شيء يمسه.