وإذا جئنا من بداية التشريع فسيطول علينا المشوار، وإذا أخذنا النتيجة والنهاية وما استقر عليه الأمر عند الأئمة الأربعة نكون قد اختصرنا الطريق، ولكي نجمل المسألة، ويسهل استيعابها نقول وبالله التوفيق: أجمع جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والأئمة الأربعة وغيرهم ممن اندثرت مذاهبهم، وكل عالمٍ في صدر الإسلام وفيما بعد إلى اليوم بأن الذهب والفضة غير الحلي الملبوس فيه زكاة.
ثم جاء الخلاف فيما هو حليٌ ملبوس بالفعل.
إذاً: دخل في العموم السابق غير حلي النساء كأن يكون هناك أوانٍ من ذهب أو فضة للزينة، أما للاستعمال فمحرم:(الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ، فإذا كان اتخذها للزينة واتخذها للعوز ليبيعها عندما يحتاج، فهذه أوانٍ وليست حلياً، أو اتخذت ملاعق من ذهب أو فناجين، كل هذه داخلة في جنس الذهب غير حلي النساء.
فإذا جئنا إلى الحلي الذي فيه البحث: فإذا كان الحلي مكسراً غير صالحٍ للزينة، فأجمع أيضاً الأئمة الأربعة على وجوب زكاته، وذكر ابن عبد البر في الاستذكار بدون خلاف حتى عن مالك، كالتبر غير المصنوع المصوغ، والحلي المكسر الذي لا يصلح للاستعمال، فيكون خارجاً عن الحلي المستعمل، فإذا كان الذهب والفضة نقداً أو مصوغاً مباحاً، أو مصوغاً غير مباح مثل الأواني للأكل، فبإجماع المسلمين أن فيه الزكاة، مع حرمة استعماله.
ولم يبق الخلاف إلا في الحلي المصاغ للنساء خاصة، فلو أن رجلاً اتخذ أساور من ذهب ففيه الزكاة بالإجماع، سواء وضعها في الصندوق لوقت الحاجة يريد بيعها، أو يريد لبسها؛ وإن لبسها كان حراماً وعليه وفيها الزكاة، وإن وضعها في الصندوق كان قُنية، مثل الجنيه، فيجب عليه فيها الزكاة.
فلذلك ما كان مباح الاستعمال، ومحرم الاستعمال، ما لم يكن حلياً للنساء فليس فيه خلاف.
وإذا كان صاحب الذهب قد رفعه على نية أن يصلحه ليُلبس، فيكون هذا في نطاق الاستعمال، فهذا داخل في الحلي المستعمل.