[شرح حديث:(إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن واله وبعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإنها إحدى آياتها) ، رواه الدارقطني وصوب وقفه] .
نعلم جميعاً أن ابن حجر من أئمة الشافعية، وهم من أشد الناس في إثبات الجهر بالبسملة؛ ولهذا يورد نصوصاً عديدة ليثبت مذهبه، فهذا الحديث: أن أبا هريرة يقول -ورفعه إلى رسول الله-: (إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإنها إحدى آياتها) ، ثم بين ابن حجر بأمانة العالم من روى هذا الأثر، وبين بأن الصحيح وقفه على أبي هريرة، وفي المصطلح: أن الحديث المرفوع هو ما أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم صادراً عنه، والموقوف هو ما قاله الصحابي وليس معزواً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الموقوف عند العلماء قد يأخذ حكم المرفوع؛ وذلك حينما لا يكون للرأي والاجتهاد فيه مجال، ولا يتأتى الإتيان به من عند نفسه، كما لو كان من أخبار يوم القيامة، أو من أخبار الماضين وبعيداً عن الإسرائيليات، أو عملاً يترتب عليه جزاء وثواب معلوم؛ فلذا قالوا: لن يتأتى لإنسان أن يخبر به من عنده، ولابد أن يكون سمعه من النبي، ولو لم يقل فيه: قال رسول الله! وأما هذا الحديث فقد صح عند علماء الحديث أنه موقوف على أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وإذا كنا في معرض خلاف بين قراءة البسملة في الفاتحة وعدم قراءتها، وجاءنا عن أبي هريرة حديث موقوف فما موقفنا؟ كما لو جاءنا أبو هريرة اليوم ووقف على المنبر وقال: يا مسلمون! إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها آية منها، هل هناك شخص يستطيع أن يقول له: من أين أتيت بهذا يا أبا هريرة؟ لا يستطيع، وليس له حق في ذلك؛ لأنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرنا أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولما انتهى من صلاته قال:(والذي نفسي بيده! إني لأشبهكم بصلاة رسول الله) ، فذاك الحديث يقوي هذا.
وإن لم يكن سمعه من رسول الله فقد سمع ما يؤيده، فلما ذكر صلى الله عليه وسلم أعظم سورة قال:(هي السبع المثاني والقرآن العظيم) ، والفاتحة لا تكمل السبع إلا بالبسملة، فسواء قاله استنتاجاً من هذا الحديث أو سماعاً من رسول الله، ولم يذكر رسول الله في الرواية، أو أنه مرفوع لكن كما قال المؤلف: الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، وهذا مما يؤيد ما قال به المؤلف والجمهور من أن البسملة آية من سورة الفاتحة.