بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه، أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) رواه البزار وصححه الحاكم] .
بدأ المؤلف رحمه الله كتاب البيوع بهذا الحديث وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن أطيب الكسب، ما هو؟ وبعض العلماء يقول: إن جميع المكاسب راجعة إلى الزراعة والتجارة والصناعة، يعني: هذه الثلاثة، التي فيها التنمية، وفيها نمو المال، أو نمو المادة الخام وتطورها، فالزارع: حبة بذر يجعلها المزارع في الأرض، فتنمو إلى سبع سنابل {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}[البقرة:٢٦١] ، الحبة نمت إلى سبعمائة، فهذا نمو، كذلك التجارة: يأخذ السلعة بعشرة ويبيعها باثني عشرة، هذا أيضاً نمو، ويجتمع له هذا النماء، كذلك الصنعة يأخذ القطن فيغزله، ويأخذ الغزل فينسجه، ويأخذ النسيج فيفصله وهكذا تتطور المادة الخام على أيدي الصناع كل بحسبه، وفي كل مرحلة من هذا التصنيع تنتفع الأمة.
إذاً: أصول المكاسب هذه الثلاثة، ثم يختلفون أيها أفضل، أهي الزراعة، أم التجارة؟ فبعضهم يقول: الله سبحانه وتعالى جعل البركة مائة جزء، أنزل منها جزءاً إلى الأرض، وادخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة، والجزء الذي نزل إلى الأرض منه تسعة وتسعون في التجارة، والباقي في الصناعة، وفي الزراعة، وفي الأمور الأخرى.
والذي يرجحه العلماء: أن أفضل الكسب الزراعة؛ لأن الزراعة يستفيد منها الإنسان، والحيوان، والطير، فكل هؤلاء يستفيدون من عمل الفلاح.
وبعضهم يقول: هناك كسب آخر، لكنه راجع إلى عمل اليد، وهو الكسب من الغنائم في الجهاد في سبيل الله، ويقول آخرون: الجهاد من عمل اليد، فلم يخرج عن هذه الثلاث.