(يظلهم الله) هذا اللفظ متفق عليه، وكل من خرَّج هذا الحديث رواه بهذا اللفظ.
(في ظله) أو (في ظل عرشه) : تختلف الروايات، فتارة تأتي:(في ظله) ، وتارة تأتي:(في ظل عرشه) .
(يوم لا ظل إلا ظله) أو (يوم لا ظل إلا ظل عرشه) على حسب الروايتين المتقدمتين، وليس هناك إشكال أن العرش جرم محسوس يتصور أن يكون له ظل، ولكن الإشكال الذي لم أجد له جواباً، هو أن الظل ناتج عن الشمس، ويوم القيامة تكور الشمس، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وثمة حديث آخر، وهو عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل -قال سليم بن عامر: فوالله! ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟! قال:- فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه) رواه مسلم.
إذاً: كيف تأتي تلك الشمس؟ وأي نوع هي؟ هذا الذي يقف عنده الإنسان مستسلماً مصدقاً بما قال صلى الله عليه وسلم، ولم أجد من تكلم على ذلك بما فيه الكفاية.
وإذا كان الله يظلهم في ظله، فهناك كلام كثير للعلماء، لكنه يدور بين الحقيقة والمجاز، ومعنى الحقيقة: في ظله سبحانه، والله أعلم بكيفية تظليلهم في ظله، ولا نستطيع أن نتصور للمولى جرماً وظلاً -حاشا لله- ولكن يقولون: في ظله، أي: في عنايته، ورعايته، ورحمته، كما يقولون: فلان يعيش في ظل فلان وفي كنفه، وحملوا ذلك على المجاز بعداً عن التشبيه أو الوقوع في محظور بالنسبة للمولى سبحانه.
ونحن إذا أخذنا اللفظ على وضعه نستشعر عاطفياً وعقلياً وعلمياً أن هؤلاء السبعة يخصهم الله سبحانه وتعالى بتلك الفضيلة، وفي بعض الزيادات:(في ظله حتى يقضى بين الخلائق) ، وفي الحديث:(إن العبد في ظل صدقته يوم القيامة) ، ويمكن أن نقول: الصدقة تجسمت، أو تجسم ثوابها وتحول إلى مظلة تظل صاحبها حتى يقضى بين الخلائق، ولا يناله ما ينال عامة الناس من حرارة الشمس التي تدنو منهم فيعرقون.
إذاً: الأولى لنا أن نترك تعمق البحث في مدلول قوله: (في ظله) ، ونفوض ذلك إلى ما يعلمه المولى سبحانه، ويكفينا أن نقول: إن هذا أعظم موعظة وأعظم مرغب؛ لأنه يحاول الإنسان أن يكون واحداً من هؤلاء السبعة إن لم يجمع أكثر من صنف.