[حرمة الخيلاء في اللباس]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: إن الله تعالى يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه، فليلبس الإنسان مما أنعم الله عليه من غير خيلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة) ، وفي حديث آخر: (بينما رجل يمشي في حلة مرجلاً جمته إذ أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) رواه البخاري.
فهذا أعجبته نفسه، وهذا هو البطر والخيلاء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس) ، والغمط: هو أن يستخف بالآخرين لقلة ما عندهم.
فإذا وجد نفسه في نعمة زائدة نظر للآخرين بنظرة أقل مما ينبغي، فهو يقيس الناس بالمال، والمال ليس مقياساً، فالله سبحانه وتعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، كما قال سبحانه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:٣٤-٣٥] .
والرجل المذكور في الحديث هو قارون، وقيل: هذا الرجل مبهم، ولعله قارون حينما خرج في زينته، وأعجب بنفسه، وغمط الناس حقهم.
فالله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده من غير بطر، والصديق رضي الله تعالى عنه حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ينظر الله إلى من يجر إزاره بطراً، قال: يا رسول الله! إن جانب إزاري يرتخي إلا أن أرفعه.
فقال: لست ممن يفعل ذلك بطراً) ، فلابد من نية من يلبس هذا اللباس، فإما أن يلبسه ستراً، أو شكراً، أو بطراً، وقد جاء حديث أكثر توضيحاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (الخيل لثلاثة: خيل أجر، وخيل ستر، وخيل وزر) ، فالخيل ما تتغير، ولكن ذلك بحسب قصد صاحبها، فمن اقتناها للجهاد عليها في سبيل الله فهي له أجر، فكل ما علفها وكل ما سقاها ونحو ذلك له فيه كله حسنات وأجر.
وهي ستر لمن يقتنيها للنسل والبيع، ويستتر بمنافعها ونسلها، ويستعفف عن سؤال الناس، ففيها نوع من الربح والتنمية.
وخيل وزر لمن اقتناها بطراً ورئاءً وكبرياءً.
فاختلف الحكم والخيل واحدة، فكذلك الثياب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إزرة المؤمن إلى نصف ساقه) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) ، ومن جرهما فهو بطر ورياء ومخيلة، يقول ابن حجر: العبرة بما في نفسه.
فلو لبس الثياب الرخيصة بطراً ومخيلة وكبرياءً فهو آثم ولو كان مشمراً ثوبه إلى نصف الساق، وإذا كان الثوب إلى الكعبين ولم يخطر في باله كبر ولا بطر كعامة الناس فهذا أمر عادي، وإذا ما شمر الثوب، وأعجب بنوعه وبغلاء ثمنه، وأخذ يمشي على الناس متفاخراً فيدخل في الوعيد، ويقع في البطر بالثياب والخيلاء، فليست العبرة في الخيلاء بطول الثياب وقصرها، ولكن العبرة بنية اللابس.
قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يظهر أثر نعمته عليه) ، وقد كان أهل المدينة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في أوائل الصيف إذا ظهرت باكورة الثمرة حمراء أو صفراء، يفرح بها صاحب البستان، ويأتي بها حالاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليريه إياها شكراً لله أن أنعم الله عليه قبل الناس الآخرين؛ لأنه بعد أسبوع الزهو سيمتلأ البلد، فيأخذها صلى الله عليه وسلم ويدعو له بالخير، وينظر إلى أصغر طفل في المجلس فيعطيه إياها ليفرح بها.
فالباب واسع، فإذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه أياً كان هذا الإنعام، وأياً كان نوعها، فيحب الله تعالى إظهارها.