يقول العلماء: الرؤيا على ثلاث أقسام: القسم الأول: أن يرى الإنسان ما يسره، فيحكيه لأحب الناس إليه؛ ليفسرها بأحب الوجوه فيها، والقسم الثاني: أن يرى خلاف ذلك فليتفل عن يساره، ولينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره شيئاً، والقسم الثالث من الرؤى: إنما هو تصور وتخيل أحداث عمل النهار، كما يقولون: المخيلة تختزن بعض الصور، فيبيت يحلم بما كان فيه في النهار من بيع وشراء أو خصومة أو فرح.
إلخ، وهذه هي التي يقال فيها: إنها أضغاث أحلام.
وهنا الصحابة رضي الله تعالى عنهم أُروا في المنام ليلة القدر؛ وكلنا يعلم مدى صحة الرؤيا في قضية مشروعية الأذان، لما تشاور النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في أمر إعلامهم بالوقت من أجل أن يجتمعوا للصلاة، فقد كان الواحد منهم يخرج من بيته ويمر على أخيه في بيته فينبهه: الصلاة يا فلان! الصلاة يا فلان! وكل يُعْلِم الآخر حتى يجتمعوا لصلاة الفريضة جماعةً، فتشاور صلى الله عليه وسلم معهم ليتخذوا وسيلة للإعلام، فمنهم من اقترح الناقوس -وهو الجرس- فقال: لا، هذا للنصارى، ومنهم من اقترح الطبل، فقال: لا، هذا لكذا، ومنهم من اقترح البوق، فقال: هذا لليهود، ومنهم من اقترح إشعال النار، فقال: لا، هذا للمجوس وهكذا، وانصرفوا دون أن يتفقوا على شيء، فلما كان الغد جاء عبد الله بن زيد وقال:(يا رسول الله! رأيت فيما يرى النائم أنه طاف بي رجل، عليه حلة خضراء، يحمل ناقوساً على كتفه -وفي رواية: خشبة على كتفه- فقلت: أتبيع الناقوس؟ فقال: وماذا تفعلون به؟ قلت: ننقس به للصلاة، قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى.
فوقف وأذن، وذكر ألفاظ الأذان الخمسة عشر، ثم تنحى قليلاً وذكر الإقامة، وقال: هكذا تفعلون.
فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها لرؤيا حق، قم فألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتاً -يعني: أليق وأبعد وألطف.
إلخ- فلما قام بلال وأذن، سمع ذلك عمر بن الخطاب، فجاء من بيته يجري ويجر الرداء، وقال: يا رسول الله! والله! لقد رأيت مثلما سمعتُ.
فقال: تواطأت رؤياكم) وجعلها ألفاظ الأذان المشروعة.
والذي يهمنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع رؤيا الصحابة، ووجدها واضحة، أقرهم عليها.
وأذكر هنا بالمناسبة أن علماء التعبير يقولون: كل من حسن طعامه ولطف، وحسن لباسه ونظف، وتعود النظافة في جسمه دائماً وغالباً تكون رؤياه صالحة صادقة، وهذا في الأول والآخر يرجع إلى صلاح العمل، وإلى شفافية الروح وطهارة القلب؛ لأن الرؤيا رؤية البصيرة وليست رؤية البصر، والذي يهمنا في هذا الحديث أنهم ذكروا ليلة القدر في السبع الأواخر.
والذي أورد على خاطرهم ترائي ليلة القدر هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أراد أن يخبرهم بليلة القدر.