للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى زوال الشمس]

قوله: (إذا زالت الشمس) ، معنى زالت: ذهبت عن كبد السماء؛ لأنها تشرق في أول الأمر من المشرق، وتأخذ في حركتها في نصف الدائرة، ويقولون: قدر ثماني عشر، والدائرة الكاملة قدرها ست وثلاثون درجة، فهي تأخذ ثماني عشرة درجة في هذا الوجه، وثماني عشرة درجة في الوجه الثاني من جهة الأرض، فتكون ثماني عشرة درجة مضيئة بطلوع الشمس، وثماني عشرة درجة ليل؛ لعدم وجود الشمس هناك، فإذا أخذت نصف الثماني عشرة درجة، فهي تسعة، وهذا هو وسط وكبد السماء، وفيء الزوال يختلف صيفاً وشتاء، بل ويختلف على درجات الأرض، فهو على مستوى خط الاستواء يختلف على مدار السرطان أو على الجهة الشمالية أو الجهة القطبية، حتى إنه في منتهى تكوير الأرض في السويد والنرويج من جهة القطب المتجمد الشمالي قد يختفي الظل، وقد يبقى النهار عدة أشهر، والليل عدة أشهر، وقال لي إنسان: جلسنا هناك على قمة ونحن ننظر الشمس، ففي حوالى دقيقة واحدة اختفت الشمس من جهة، وظهرت من الجهة الثانية حالاً، ولم يوجد هناك فترة طويلة!! إذاً: تختلف مواقيت زوال الشمس عن كبد السماء بالنسبة لسقوط ظل أشعتها إلى الأرض، فعند الزوال في وقت اعتدال الليل والنهار تكون الأشعة متعامدة من السماء إلى الأرض على زاوية قائمة، وفي بعض الفصول في الشتاء أو في الربيع أو في الخريف، يكون ظل الزوال قدماً أو قدمين إلى ستة أقدام بقدم الإنسان.

ونحن لا نستطيع أن نحدد مكان الشمس في كبد السماء في نقطة الصفر، ولا نعلم أول زوالها وتحولها إلى الغرب؛ لأن المسافة بعيدة جداً، ولكن يكفي أن ننظر إلى ظل الأشياء في الأرض، فما دام الظل إلى جهة الغرب فهي لا زالت في الربع الذي من جهة المشرق، وإذا تحول الظل إلى المشرق فقد زالت الشمس، ويسمى الظل بعد الزوال فيء؛ لأنه رجع، فنعرف بذلك أن الشمس زالت عن كبد السماء.

وقوله: (إذا زالت الشمس) ؛ لأن نقطة الزوال بالذات لا تصح فيها الصلاة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت قيام الشمس في قائم الظهيرة، وهو وقت الاستواء قبيل الزوال، وجاء في الحديث: (ثلاث ساعات، نهينا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حينما تطلع الشمس من المشرق حتى يكتمل طلوعها وترتفع، وحينما يقوم قائم الظهيرة -أي: تكون الشمس في كبد السماء بالذات- وحينما تضيَّف الشمس للغروب، حتى يكتمل غياب قرص الشمس) ، فهذه الأوقات الثلاثة نهي عن الصلاة فيها، وعن قبر الموتى فيها، لكن يجوز قضاء الفائتة فيها.

وقد جاء في الحديث: (من أدرك من العصر ركعة فقد أدرك العصر) ، يعني: أدرك الوقت، وإلا فإنه سيصلي الركعات الثلاث الباقية بعد غياب القرص، فسيغيب القرص وهو يصلي، وهذا مستثنى من النهي عن الصلاة عند غروب الشمس أو عند شروقها، فقد جاء في الحديث: (من أدرك من الصبح ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح) ، وهذه هي الأوقات الاضطرارية.

والأوقات الاضطرارية تكون لإنسان نسي الصلاة، أو نام عن الصلاة، أو لصبي بلغ، أو كافر أسلم، أو مجنون أفاق، أو امرأة كانت حائضاً فطهرت، فهؤلاء من صلى منهم حينذاك وكان الوقت مثلاً قبل شروق الشمس بما يسع ركعة، فتوضأ واستعد للصلاة، ولم يبق على طلوع الشمس إلا ما يسع ركعة، فيصلي تلك الركعة ويكون قد أدرك الصبح في وقتها، وكذلك الحائض إذا طهرت قبل أن تشرق الشمس بما يسع ركعة، فعليها أن تصلي الصبح، وكذلك الصبي إذا بلغ في هذا الوقت، والمجنون إذا أفاق في هذا الوقت، والكافر إذا أسلم في هذا الوقت؛ فإننا نكلفه بالصلاة؛ لأنه أدرك جزءاً من الوقت، وهو الجزء الضروري لأصحاب الأعذار.

والمؤلف هنا ذكر أحاديث المواقيت العامة لعامة الناس، أما أحاديث أهل الأعذار فسيأتي الإشارة إليها كما في الحديث: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تشرق الشمس فقد أدرك الظهر) .

وكذلك يستثنى من كراهة الصلاة في وقت الاستواء قضاء الفائتة، وسيأتي التنبيه على الأوقات المنهي عن الصلاة فيها إن شاء الله.