قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ... )
وبعد هذا التقريع الكامل لليهود وتحديهم رجع إلى تذكير المؤمنين فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
} [الجمعة:٩] أي: فيا أيها المؤمنون! اعلموا أن اليهود حرموا من ذلك، وفاتهم هذا الفضل من الله، أما أنتم فحافظوا عليه، فإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله.
ويرى بعض العلماء أن السعي سرعة المشي، والسعي: هو الأخذ بالأسباب، فالسعي هنا هو الأخذ بالأسباب للذهاب إلى الجمعة، وليس الجري؛ للنهي عن ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة والوقار) .
قال تعالى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة:٩] أي: اتركوا البيع واذهبوا إلى ذكر الله، وقدمنا مراراً التنبيه على أن هذا الموطن من هذه السورة الكريمة يبين أن الإسلام يجمع بين منهجي الروح والمادة إشباعاً لحقيقة الإنسان لتكوينه من روح وجسد، والجسد يحتاج إلى ما يقيم حياته وهو الأكل والشرب، والروح تتطلب ما يقيم وجودها وهو ذكر الله.
فجمع بين الأمرين، خلافاً لليهود حيث غلبوا جانب المادة واحتالوا على ما حرم الله في استباحة الصيد وجمع الشحوم وأكلها، وشغلوا عن غذاء الروح، فكانوا على جانب واحد، والنصارى بالعكس، كما قال تعالى عنهم:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}[الحديد:٢٧] ، فاليهود أخفقوا لترجيح جانب المادة، والنصارى أخفقوا لترجيح جانب الروح، والإسلام جاء وسطاً وجمع بين الأمرين، فكان الدين الوسط، وكان الجامع لما يقيم أمر الإنسان، فاستقام الإنسان على هذا الدين، وكان أتباع الدين خير أمة أخرجت للناس.
قال تعالى:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}[الجمعة:٩] أي: هذا للتشريع، فاتركوا البيع واذهبوا إلى ذكر الله فهو خير لكم من بقائكم في البيع والشراء {إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[الجمعة:٩] .