ثم كون الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس الجبة ضيقة الكمين، يقول ابن عبد البر: هذا أنسب للسفر، وخاصة للجهاد؛ لأن الكم الضيق لا يشغل صاحبه، ونستطيع أن نقول: لا ينبغي للإخوان أن يعيبوا على بعض الناس أن يلبس ثوباً في كمه (كبك) ويقولون: هذه بدعة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لبس الجبة ضيقة، وسواء كان الضيق (بالكبك) أو بالأزارير أو بالخياطة فكل ذلك جائز.
ومن نوادر ما ذكر عن الشافعي رحمه الله أنه كان يتصف بالحلم وسعة الصدر إلى حد بعيد، فأراد بعض الناس أن يخرجه عن هذا الوقار أو عن هذا الحلم، فسمعوا بأنه ذهب بثوب إلى الخياط ليخيطه، فذهبوا إلى الخياط ودفعوا له أكثر من الأجرة وقالوا له: نريد أن تجعل الكم الأيمن للشافعي ضيقاً، والكم الأيسر واسعاً جداً؛ فأخذ الخياط الأجرة وفعل، فلما جاء الشافعي يستلم الثوب كانوا موجودين يتوقعون الغضب والتسخط، فلما لبسه وأدرك أن هناك شيئاً قال: جزاك الله خيراً، لقد يسرت لي أمري وساعدتني على طلب العلم.
قال: لماذا؟ -الرجل متوقع خصومة- قال: أما ضيق الكم الأيمن فلكي لا يشغلني حال الكتابة، وأما سعة الكم الأيسر فإني أحمل فيه كتبي -يعني: بدل الحقيبة- فعجب الجماعة الذين تآمروا عليه! ولنعلم أن ضيق الكم قد يساعد على أداء بعض الأعمال، وسعة الكم قد يساعد على بعض الأعمال، وطبيعة الثياب -بصفة عامة- يمليها نظام البيئة والجو، ولذا تجدون الأعراب في البادية أكمامهم تكون بطول الرجل وربما تكون فتحة الكم أكثر من متر، وسعته تحت الإبط ثلث متر أو ربع متر أو شيء من هذا؛ لأن الجو حار، فهو بمثابة المراوح أو وسائل التهوية، وتجد في البلاد الباردة يصنعون كماً قصيراً وجبة وبنطلوناً ضيقاً أكثر من اللازم، إذاً: البيئة هي التي تملي على الإنسان نوع اللباس والثياب الذي يتلاءم مع طبيعة الجو.
يهمنا في هذه الحالة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة، فهل كان هذا دائماً في الغزوات والأسفار أو كان هذا عارضاً في غزوة تبوك؟