للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما كان يعنى به النحاة واللغويون أنساب العرب وأخبارهم التى تؤديها أشعارهم، وهى عناية اقترنت بنمو الكتابة التاريخية حينئذ، وهو نمو ارتبط بالسيرة النبوية، وانضمت إليها مادة من تاريخ الرسل ومن تاريخ العرب ثم تاريخ الأمم المجاورة للجزيرة العربية وخاصة الفرس.

وكانت السيرة النبوية مثبوتة فيما يروى من الأحاديث، فأخذ كثيرون يستخلصونها منها، وعنوا بالقصص عن الأنبياء والرسل لتوضيح جوانب من القصص القرآنى والوعظ والتذكير بالله واليوم الآخر، وعنوا أيضا بكتابة أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها وملوكها. وما نكاد نتقدم فى العصر العباسى حتى تكثر الكتابة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومغازيه وبعوثه الحربية، ويلمع فى هذا الجانب اسم محمد بن إسحق المتوفى سنة ١٥٠ وقد وزّع السيرة النبوية على ثلاثة أقسام كبيرة، هى المبتدأ والمبعث والمغازى. ويتضمن المبتدأ تاريخ العرب القديم وقصص الأنبياء، ويتضمن المبعث حياة الرسول فى مكة، وتتضمن المغازى حياته فى المدينة. ولم يصلنا هذا الكتاب (١)، إنما وصلتنا رواية مهذبة له رواها عبد الملك بن هشام المتوفى بالفسطاط سنة ٢١٨.

ومن المؤرخين الكبار الذين عنوا بكتابة السيرة والمغازى النبوية فى هذا العصر محمد بن عمر الواقدى قاضى المأمون المتوفى سنة ٢٠٧ وله مصنفات كثيرة فى الفتوح وتاريخ الخلفاء وأيام الناس، ونشرت له قطعة خاصة بالمغازى، وقد ضمّن كاتبه وتلميذه محمد بن سعد المتوفى سنة ٢٣٠ كتابه «الطبقات الكبرى» سيرة مطولة للرسول عليه السلام.

وكان من أثر الاهتمام بالمدينة فى السيرة الزكية أن أخذت تفرد لها المصنفات على نحو ما هو معروف عن محمد بن الحسين بن زبالة المتوفى بعد المائتين، وكتابه الذى خصه بها هو الأصل الذى ألهم العلماء بعده التأليف فى تاريخ المدن.

وعنى كثير من المؤرخين بالكتابة فى أحداث الدولة العربية على نحو ما هو معروف عن أبى مخنف لوط بن يحيى الأزدى المتوفى سنة ١٥٨ وله كتب مختلفة فى الفتوح وفى حروب صفين، وسيف بن عمر التميمى المتوفى سنة ١٨٠ ويشتهر بمؤلفات


(١) توجد قطعة من هذا الكتاب فى مكتبة الرباط العامة بالمغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>