للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يقول ابن خلدون استحسن أهل فاس أزجال ابن عمير وشغفوا بها وفتنوا فتنة شديدة ومضوا ينظمون على نهجه وطريقته.

ابن (١) شجاع التازى

لم يذكر عنه ابن خلدون شيئا إلا أنه من فحول الزجالين بالمغرب الأقصى وقال إنه من أهل تازا ثم أنشد له زجلين، والزجل الأول أشبه بنقد اجتماعى، وفيه يقول:

المال زينة الدّنيا وعزّ النفوس ... يبهى وجوها ليست هى باهيا

فها كلّ من هو كتير الفلوس ... ولّوه الكلام والرّتبة العاليا

يكبّروا من كثر ما لو ولو كان صغير ... ويصغّروا عزيز القوم إذا يفتقر

حتى يلتقى من هو فى قومه كبير ... بمن لا أصل عند ولا لو خطر

أدى صارت الأذناب أمام الرءوس ... وصار يستمدّ الواد من الساقيا

ضعف الناس عمل ذا أو فساد الزمان ... ما ندريو على من نكثروا ذا العتاب

أدى صار فلان اليوم يصبح بوفلان ... ولو ريت وكيف حتى يردّ الجواب

وواضح أنه يقول إن الموازين الاجتماعية اختلت، فأصبح المال هو كل شئ: زينة الدنيا وعز النفوس حتى ليضفى البهاء على الوجوه غير البهية، وها أنت ترى الناس يقدمون الثرىّ فى الكلام ويولونه الرتبة العليا ويكبرونه ولو كان صغيرا ويصغرون عزيز القوم إذا افتقر، حتى اختلطت المقاييس وأصبح كبير القوم يقرن بمن لا أصل له ولا خطر من الأثرياء، وبذلك تقدمت الأذناب الرءوس وترى هل هذا من ضعف الناس أمام الثراء أم من فساد الزمان، لقد أصبح من لم يكن له لقبا يمنح الألقاب ويقال له أبو فلان إجلالا وتوقيرا، وقد امتلأ غرورا حتى إنه لا يرد الجواب. والزجل الثانى الذى ذكره ابن خلدون موضوعه الغزل، ويستهله على هذه الصورة:

تعب من تبّع قلبو ملاح ذا الزمان ... اهمل يا فلان لا يلعب الحسن بيك

ما منهم مليح عاهد إلا وخان ... قليل من عليه تحبس ويحبس عليك

يتيهوا على العشّاق ويتمنّعوا ... يتعمّدوا تقطيع قلوب الرجال

وان واصلوا من حينهم يقطعوا ... وان عاهدوا خانوا على كلّ حال

ومهّدت لو من وسط قلبى مكان ... وقلت لقلبى اكرم لمن حلّ فيك

وهوّن عليك ما يعتريك من هوان ... فلا بد من هول الهوى يعتريك


(١) انظر فى ابن شجاع مقدمة ابن خلدون ص ١٣٥٨ وما بعدها والنبوغ المغربى ص ٣٣٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>