كان البربر ينتشرون قديما فى جميع الأراضى الممتدة غربى مصر من واحة سيوه إلى المحيط الأطلسى، وكانوا يتكلمون لهجات بربرية شتى ردّها علماء الأجناس واللغات القديمة إلى أصلين: ليبى فى شرقى تلك الأراضى ونوميدى فى أواسطها وغربيها، وهى لهجات تتحد جنسا وتتفاوت فيما بينها بحيث يصعب التفاهم بين سكان منطقة فى ليبيا كسكان جبل نفوسة وسكان منطقة فى الإقليم التونسى كسكان منطقة الجريد فضلا عن سكان المغرب الأوسط فى الجزائر والمغرب الأقصى فى المملكة المغربية.
ونزل الفينيقيون-كما مرّ بنا-بساحل تونس، أو بعبارة أدق أخذوا يرودونه منذ أواخر الألف الثانى قبل الميلاد، وكوّنوا لهم غربى مدينة تونس الحالية مدينة قرطاجة حوالى القرن الثامن قبل الميلاد، ولعبت تلك المدينة فى المنطقة-كما أسلفنا-دورا حضاريا عظيما إلى أن دحرها الرومان واستولوا عليها فى أواسط القرن الثانى قبل الميلاد، ونشروا بالمنطقة لغتهم اللاتينية كما نشروا بها المسيحية حين اعتنقوها، وتهديهم إمبراطورا عظيما هو سبتيموس سيفيروس Septimus Severus وكاتبا بارعا هو آبولى Abule? e كما تهديهم بعض القديسين مثل ترتوليان. Tertulien وتظل المنطقة تابعة لروماستة قرون طوال، وكانت تتبعها أيضا بقية الساحل الإفريقى من برقة إلى المحيط الأطلسى، مما جعل اللاتينية تسود فى كل تلك المناطق سواء فى شئون الحكم الرسمية أو فى شئون الدين ولذلك اضطر كثيرون من البربر فى تونس وغيرها من الأقاليم المغربية أن يتعلموا اللاتينية ويتقنوها تحدثا وكتابة. وقد نزلها الواندال الجرمانيون سنة ٤٣٩ وظلوا بها مائة عام يدمرون كل ما بها من مظاهر الحضارة والعمران إلى أن خلعتها منهم بيزنطة، وحاولت تنشر بها اليونانية غير أن اللاتينية ظلت هى اللغة المسيطرة على الألسنة وفى شئون الدين إلى أن فتحها العرب، وظلت فترة غير قليلة متداولة وخاصة فى قرطاجة وما حواليها، ونراها لا تزال حية على بعض الألسنة فى قفصة جنوبى الاقليم التونسى